الواقع و الزمن 2021
المحتويات
مبرهنة بال (نهاية كتاب بفضل الله) و معضلة العقل-و-الجسم (بداية كتاب باذن الله)
انهاء كتاب (فلسفة و تفسير الفيزياء الكمومية)
فلسفة و تفسير الميكانيك الكمومى
الماضى الكمومى
الميكانيك الكمومى, الميكانيك الاحصائى و الفيزياء العددية-الحاسوبية
اللعبة الكمومية و مبرهنة بال
مخططات فايمان للنظرية فاى-فور: نظرية الحقول الكمومية 19
باولى الرهيب
تأثير هال الكمومى الصحيح و الكسرى
أهم اكتشافات فيزياء الجسيمات
نظرية كل شيء
نموذج الكوارك
تجربة اينشتاين و بودولسكى و روزن و مبرهنة بال
نموذج المهيرى-و-بولشينسكى
حول مادة الميكانيك التحليلى
ديراك و المادة المضادة
البوزونات الناقلة للقوة
قصة يوكاوا مع البيون و الميون
النوترينو و باولى و فرمى
الفوتون و الفوتونات
النسبية الخاصة
الماضى الكمومى مرة اخرى
الكرة و تناظراتها
الكرة و زمرة الدورانات
الاكشن او الفعل
مبرهنة بال (نهاية كتاب بفضل الله) و معضلة العقل-و-الجسم (بداية كتاب باذن الله)
مبرهنة بال Bell's theorem هى اعظم مبرهنة فى العلم و الفلسفة فى آن معا وهذا باجماع من يعتد به.
و هى تنص على ان العالم يجب ان يكون منطقيا. لكن العالم يكذبها تكذيبا شديدا. فالعالم ليس منطقى بل هو منطقى-كمومى.
فاذا كان A يؤدى الى B و كان B يؤدى الى C فان A يؤدى الى C حتما و ضرورة. أليس هذا تفكير ارسطى-كانطى سليم.
هذا هو نص مبرهنة بال و التعقيد ان هذه المجموعات A و B و C تتم صياغتها فى قالب عمليات قياس او رصد معين لعزم-لف spin الالكترون من قبل الراصدة أليس Alice و لعزم-لف البوزيترون من قبل الراصد بوب Bob فى تجربة ال EPR الشهيرة التى اراد بها اينشتاين Einstein ان يُدمر بها بوهر Bohr فأراد بوهر بالمقابل تدمير هذه التجربة فلا نجح اينشتاين فى تدميره و لا نجح بوهر فى تدميره المضاد لكن خرج من رحم صراعهما بال Bell بفهم افضل و اعمق من فهمهما معا وهما اينشتاين الثانى فى الفيزياء و بوهر الرابع فى الفيزياء فأصبح بال بكل جدارة و استحقاق بذلك الخامس فى الفيزياء النظرية.
وقياس عزم-اللف او السبين فى تجربة ال EPR و مبرهنة بال و غيرها من تجارب الفلسفة الكمومية هو فقط اختيار بيداغوجى فنفس الشيء يقع فى عملية قياس اى مقدار فيزيائى بل هو يقع حتى فى عملية الوعى الانسانى (التى هى عملية رصد كمومى مستمر للعالم).
المفاجأة العميقة التى قل من يفهمها حق الفهم هو ان الميكانيك الكمومى كنظرية و كتجربة و الطبيعة كرصد لا تحترم نهائيا هذا القانون المنطقى لمبرهنة بال و نقول ان الميكانيك الكمومى (وكذا الطبيعة) تغصب violate مبرهنة بال و الغصب هو اسوء انواع الانتهاك و الكسر فى الفيزياء.
فالميكانيك الكمومى لا يحترم مبرهنة بال ليس بشيء بسيط طفيف بل لا يحترمها تماما و بالكامل و هذا هو الغصب.
ولهذا فان مبرهنة بال هى اعظم مبرهنة فى تاريخ العلم وهذا يرجع ايضا الى المسلمات الثلاثة القائمة عليها مبرهنة بال.
اولا مسلمة (الواقع الكلاسيكى classical realism) التى تنص على ان الاجسام و حالاتها موجودة بغض النظر عن عمليتى الرصد observation و القياس measurement.
ثانيا مسلمة (السببية الموضعية local causality) التى تنص على ان التأثيرات السببية causal connections محصورة داخل المخروط-الضوئى light-cone وهذا بكل بساطة يعنى ان التأثيرات السببية لا يمكن ابدا ان تنتشر بسرعة اكبر من سرعة الضوء.
ثالثا مسلمة (حرية الارادة free will) التى تنص على ان الراصد observer يستطيع قياس اى شيء يريده و ان المستقبل (ما كان يمكن ان يقيسه الراصد) لا يمكن ان يؤثر فى الماضى (ما قاسه الراصد فعلا). اى ان ما يسمى المضاد-للحقيقة counter-factual (اى ماكان يمكن ان يكون لكنه لم يكن) ليس له اى تأثير.
مبرهنة بال تكسر على المرجح جدا المسلمات الثلاثة.
اما المسلمة الاولى (الواقعية الكلاسيكية) فيكسرها فعل (الرصد الكمومى quantum measurement).
و كما قال مارمن Mermin (هل القمر موجود اذا لم ينظر اليه احد) وهو سؤال غريب جدا لكن الرجل مارمن وهو من اساتذة المادة الصلبة فى العالم من الذين يفهمون عمق اعماق الميكانيك الكمومى يقصد جدا ما يقوله.
فالاكيد ان (الالكترون غير موجود اذا لم ينظر اليه احد) فلماذا اذن لا يقع نفس الامر بالنسبة للقمر (الجواب معروف اليوم و تجيب عنه الديكوهيرانس decoherence كما سنرى ادناه).
اما المسلمة الثانية (السببية الموضعية) فيكسرها فعل (التشابك الكمومى quantum entanglement) و هو رغم انه ليس بتأثير سببى يمكنه ان ينتشر بسرعة الضوء ناقلا للطاقة الا انه تأثير تزامنى synchronistic effect ينتشر بسرعة لانهائية بتأثيرات فيزيائية حقيقية.
وتذكروا (التزامن synchronicity) لصاحبيه العملاق النفسى جونغ Jung و العملاق الفيزيائى باولى Pauli.
مثلا (اللعبة الكمومية quantum game) هى لعبة تلعبها أليس مع بوب مع امكانية ربح تصل الى 88 بالمائة رغم انه فى النطاق الكلاسيكى فان امكانية الربح لا يمكنها ابدا ان تتعدى ال 75 بالمائة.
اما المسلمة الثالثة (حرية الارادة) فهى يجب على الاقل ان تُعمم الى (المنظوريانية perspectivism) على مصطلح نيتشة Nietzsche البليغ او الراصد على مصطلح بوهر البسيط.
و المنظوريانية تحتوى على الوعى و على حرية الارادة و على الزمن و على السببية و على اشياء اخرى كثيرة.
اما (حرية الارادة) او (المنظوريانية) فيتحداها الماضى الكمومى quantum past و الحتمية determinism و غيرها من الاشياء الاخرى.
والذى يربط (فعل الرصد الكمومى) ب (المنظوريانية) فهو تفسير كوبنهاغن Copenhagen interpretation بخصائصه الثلاثة الاساسية (الثنائية الكمومية quantum dualism, التكامل complementarity و الانهيار collapse الذى هو فعل تزامنى لاسببى).
والذى يربط (فعل الرصد الكمومى) ب (التشابك الكمومى) فهو تفسير عديد-العوالم man-worlds interpretation بخصائصه الثلاثة الاساسية (الجسمانية physicalism, الاحادية unitarity و التفرع branching (الى عوالم متوازية) الذى هو فعل سببى لاتزامنى).
ومن هنا نرى التكامل بين تفسير كوبنهاغن و الرصد فى تفسير كوبنهاغن الذى يقوم به الوعى-الذاتى first-person (اى الضمير أنا) و تفسير عديد-العوالم و الرصد فى تفسير عديد-العوالم الذى يقوم به الوعى-الآخر third-person (اى الضمير هو).
وهذا التكامل هو تعميم للثنائية الكمومية.
اما الذى يربط بين (فعل التشابك الكمومى) و (المنظوريانية) فهو الديكوهيرانس و العالم-من-الديكوهيرانس world-from-decoherence او الكلاسيكية classicality التى تنجم عنه من جهة و من جهة اخرى انهيار دالة الموجة و العالم-فى-الوعى world-in-consciousness او المرصود الذى ينجم عنه وهما شيئان مختلفان عكس ما يعتقد الجميع.
وهنا نصل الى نهاية كتاب و بداية كتاب آخر.
اما الكتاب الذى انتهى بحول الله فهو يتمحور حول (مبرهنة بال) اما الكتاب الذى سيبتدأ ان شاء الله فهو يتمحور حول (معضلة العقل-و-الجسم).
والملاحظة الاساسية الاولى هو ان مسلمات معضلة العقل-و-الجسم mind/body problem تشبه الى حد يدعونا الى الحيرة و الشك مسلمات مبرهنة بال.
فمعضلة العقل-و-الجسم تعتمد على المسلمات الثلاثة التالية.
اولا مسلمة (الثنائية dualism) ان هناك مادة و هناك عقل.
ثانيا مسلمة (الانغلاق السببى causal closure) ان كل الاسباب مادية تؤدى الى مسببات مادية و لا يوجد شيء آخر.
ثالثا مسلمة (السببية العقلية mental causation) ان العقل يؤثر بالاسباب على المادة.
و مسلمة (الثنائية) تشبه مسلمة (الواقعية الكلاسيكية).
ومسلمة (الانعلاق السببى) تشبه مسلمة (السببية الموضعية).
ومسلمة (السببية العقلية) تشبه مسلمة (حرية الارادة).
والميكانيك الكمومى يكذب مسلمات مبرهنة بال اكيد.
والميكانيك الكمومى يبدو انه يكذب ايضا بمسلمات معضلة العقل-والجسم.
بل الميكانيك الكمومى وهو يصف الطبيعة بدون ادنى شك يأتى بمسلماته الخاصة التى هى تصحيح للمسلمات الثلاثة اعلاه.
المسلمة الاولى مسلمة (الثنائية الكمومية quantum dualism).
المسلمة الثانية مسلمة (الانغلاق السببى-التزامنى causal-synchronistic closure).
المسلمة الثالثة مسلمة (المنظوريانية perspectivism).
وانطلاقا من هذه المسلمات الثلاثة الكمومية يمكننا ربما حل معضلة العقل-و-الجسم بصفة خاصة لان هذه المسلمات نفسها هى بالضبط التى حلت معضلة الطبيعة او الكون او العالم بصفة عامة.
فالعالم تريد مبرهنة بال ان تقول انه (منطقى) الا ان الميكانيك الكمومى يقول ان العالم (منطقى-كمومى quantum-logical).
والعالم تريد معضلة العقل-و-الجسم ان تقول انه (جسمانى) الا ان الميكانيك الكمومى يقول ان العالم (نفسى-جسمانى psychophysical).
وكل هذا الكلام ملخص فى الصورة ادناه.
انهاء كتاب (فلسفة و تفسير الفيزياء الكمومية)
قصة هذا الكتاب ترجع الى أواخر التسعينات عندما كنت طالبا فى امريكا حيث انتبهت لاول مرة وهذا فى اثناء مطالعاتى العامة فى الفيزياء (بعيدا عن التخصص) الى موضوع تفسير الميكانيك الكمومى, اسس الفيزياء الكمومية و موضوع فلسفة الكمومى و الزمن.
بطبيعة الحال لم افكر فى ذلك الحين فى كتابة اى كتاب لا فى هذا الموضوع و لا فى غيره لاننى كنت طالبا فى الدكتوراة و لم اكن مستعجلا على اى شيء كما يستعجل بعض القوم عندنا.
لكن مع المطالعات الكثيرة و المستمرة عبر سنوات بدأت تتخمر الفكرة و تبلورت فعلا عندما فتحت حساب فايسبوك اواسط 2016 و رأيت ذلك الكم الهائل من التعدى الذى يمارسه غير المختص على ما لا يفهم فيه و ما لا يمكن ان يفهم فيه ثم رأيت ذلك الخلط الشديد بين الفيزيائى و الكلامى و الفيزيائى كما تعلمون مؤسس على العلم و الكلامى مؤسس على الايمان و أغلب العلم لا يدعى اليقين اما الايمان فجميعه يقينى (و مازلت محتار من اين أتى الجميع بذلك اليقين الجازم).
ونحن لسنا ضد التوليف بل نحن ضد الخلط و التوليف ان تعرف حدود كل فكرة و رأى المؤلف حتى تستطيع ان تأخذ -اذا قررت- الفكرة العلمية و تترك رأى المؤلف و الفكرة الكلامية.
اما الخلط الذى يقوم به الكثير فهو تدليس على العلم و الايمان معا.
اذن بدأت كتابة هذا المشروع على شكل مقتطفات هنا و هنا و تبلورت نواة الكتاب فى الكتاب بالعربية (الواقع و الزمن) الذى دفعته الى ناشر كويتى فقال المحكم الذى نصبه الناشر (كتاب غير منسجم علميا و لغويا).
فصدمت لكن عندما اصدم فاننى اجتهد اكثر و اغير ما يجب تغييره حتى اتجاوز الصدمة.
فبدأت فى اعادة كتابة المقتطفات بالانجليزية و كتبت اشياء اخرى اضافية كثيرة و قدمت محاضرات مكتوبة بالانجليزية حول الموضوع فى جامعتى الوادى و جيجل حول الموضوع. و نشرت نواة العمل على الاركايف فتعرضت الى عثرة اخرى تجاوزتها بسرعة.
تلك النواة الموضوعة على الاركايف طلبتها السبيرنغر Springer الالمانية للنشر من دون سعى منى لكن شروطهم المادية لم تعجبنى ثم قبل ذلك فان الناشر (وهى امرأة شابة) لم تعجبنى مهنيا و علميا فانسحبت من عند السبرينغر و ذهبت الى من هم احسن منهم وهم (معهد الفيزياء او Institute of physics او IOP) البريطانى فكان الناشر متحمسا جدا منذ البداية ثم أرسلها الى المحكمين (ثلاثة) فكانت اجاباتهم ايجابية جدا فقُبلت للنشر فى ال IOP بتعويض مادى هو ستة اضعاف ما ارادت السبرينغر اعطاءه لى.
يمكن قراءة مقررات المحكمين فهى موجودة فى آخر ملف ال pdf فى الرابط.
ويمكنكم أن تروا بانفسكم انه و لا احد من المحكمين قال اننى غير متناسق علميا و لا احد فيهم قال اننى غير سليم لغويا بل على العكس تماما علميا اما لغويا فلا اعتقد ان المحكمين انتبهوا الى كونى غير انجليزى و لست حتى مقيم فى بريطانيا او امريكا.
اما (علميا) فهذا لا شك فيه ان شاء الله فان المحكم العربى كان يهرف بما لا يعلم وهذا الجميع يعرفه حتى المحكم نفسه.
اما (لغويا) فان المحكم العربى يعتقد ضمنيا انه لغويا افضل فهو قد تعود على لغة معينة -لغة الجرائد و الصحف و الاعلام- التى هى لغة بدون اى محتوى فالمحتوى هو آخر هموم الكاتب العربى -الا من رحم ربك- فكلهم يبحثون عن الكلمات و المفردات -فهنا ترون كلام ايضا ليس كلام فلسفى لكن كلام ادبى بل الادهى من ذلك هم يريدونها كلام علمى ايضا مثل هذا الذى يحدث على الفايسبوك و اليوتوب-.
اذن (كل همهم و مبلغ علمهم) لغة فارغة عقيمة خشبية اما الافكار و العلم فهى لا تعنيهم كما لم تعنى اجدادهم بل هم فى اغلب الاحيان لا يمكنهم فهمها.
فهل يا ترى (لغتى الانجليزية) اسلم و اقوى من (لغتى العربية) هيهات هيهات بل هم فى غيهم يعمهون.
اذن قبلها البريطانى المختص و لم يعلق عليها لا علميا و لا لغويا (وهو علمه وهى لغته) اما العربى فهو لم يفهمها لا لغويا و لا علميا (معتقدا ان اللغة العربية هى لغته و نحن نتطفل عليها بل هو واهم و سيُقضى واهم).
اذن هذه النواة تم قبول نشرها و اعطانى الناشر سنتين لاكمال العمل لكن كل ما استطعت القيام به هو ثلاثة اشياء اضافية.
-المنطق الكمومى و مبرهنة كوشن-سباكر و قدمتهما هنا على الفايسبوك و على البلوغر و كان الاقبال اقل من المتوسط.
-تفسير (تفسير كوبنهاغن) و فلسفة بوهر و قدمتهما على اليوتوب فكان مصيرى اسوء من الفايسبوك. فلا احد اهتم بتلك الفيديوهات الرائعة الدسمة و بعضها لم يتجاوز ال 20 مشاهدة و يمكنكم تصور حجم صدمتى التى جابهتها بمزيد من العمل الصادم.
على الاقل على الفايسبوك اجد 50 شخصا يتجاوبون معى كل مرة و قد اصل الى 100 شخص اما اليوتوب فليس هناك احد يريد ان يرى هذه الاشياء العلمية-الفلسفية الثقيلة.
-ثم قدمت منظوريانية نيتشة فى اطار تفسير فيغنر و فون نيومان على شكل مقال على الاركايف.
الآن الكتاب فى صيغته النهائية التى دفعتها الى الناشر يتشكل من 8 فصول كل فصل يأتى بمراجعه.
-الفصل الاول: مقدمة وأهم المراجع التى أثرت فى هذا العمل موجودة فى آخر هذا الفصل و من الفلاسفة لا يظهر الى ثلاثة (نيتشة و ليبنيز و شالمرز).
-الفصل الثانى: مراجعة شاملة لاسس الميكانيك الكمومى. وأهم شيء هنا هو مبرهنة بال.
-الفصل الثالث: مراجعة شاملة للثقوب السوداء. وأهم شيء هنا معضلة ضياع المعلومات.
-الفصل الرابع: أقدم (الثنائية الكمومية) و الربط بين معضلتى (الرصد الكمومى) و (اشعاع الثقب الاسود).
-الفصل الخامس: اقدم (تفسير الثقب الاسود للميكانيك الكمومى).
-الفصل السادس: اقدم المنطق الكمومى و علاقته بالمنطق الكلاسيكى و اقدم مبرهنة كوشن-سباكر بتفصيل شديد و مبرهنة كوشن-سباكر هى احد امثلة مبرهنة بال الاكثر اساسية. و اردت ان اقدم ايضا ما يسمى (اللعبة الكمومية) و (مبرهنة حرية الارادة) وهما مثالان آخران لمبرهنة بال لكن لم يسعفنى الحظ.
-الفصل السابع: اقدم تفسير كبونهاغن بتفصيل شديد و اهم شيء هنا هو مبدأ التكامل لبوهر و انهيار دالة الموجة لهايزنبرغ. أهم شيء سنراه فى فلسفة بوهر انها توحيد لفلسفة كانط و الداروينية وهذا لو صبرتم معه تفسير فى غاية القوة و الجمال فى آن معا.
-الفصل الثامن: اعود الى الثنائية الكمومية و الى مبدأ التكامل لبوهر و اقدمهما من ناحية منظوريانية نيتشة و توازوية ليبنيز. وهذا توليف فى غاية الاناقة. اقدم ايضا فى هذا الفصل فرضية بولتزمان-شوتز التى تجل جميع مشاكل الزمن الفيزيائية و نصف مشاكل الزمن الميتافيزيقية.
والحمد لله انه مكننا من انهاء هذا العمل خاصة انه مرت علينا فترة صحية صعبة للغاية السنة الفارطة فقدنا فيها الامل فى الحياة و ليس فقط الامل فى الفيزياء.
فلسفة و تفسير الميكانيك الكمومى
حتى نطمئن الى القيمة العلمية لمحتوى هذه الصفحة اقدم للاصدقاء و القراء و المتابعين الكتاب الذى صدر الشهر الماضى فى بريطانيا مع المعهد البريطانى IOP بعنوان (فلسفة و تفسير الميكانيك الكمومى).
هذا الكتاب يحتوى على الصياغة العلمية الدقيقة لكل النقاشات التى تمت على هذه الصفحة خلال السنوات الخمسة الاخيرة فى مواضيع (نظرية الميكانيك الكمومى, و نظريات الجاذبية الكمومية و فيزياء الثقوب السوداء و كذا مسائل الزمن و الوعى و الميتافيزيقا المرتبطة بالكمومى).
اذن جزء معتبر من محتوى هذه الصفحة هو الآن منشور بشكل رسمى -ولو باللغة الانجليزية- و بطريقة فيزيائية و فلسفية صحيحة.
بعض محتوى هذا الكتاب قد كنت القيته فى محاضرات دعيت اليها هنا وهناك و بعضه كنت سألقيه على طلبة الماستر لكن صرفت النظر ثم اردت القاءه على طلبة الدكتوراة ثم صرفت النظر ايضا لان من هم عندنا من الطلبة لا يمكنه فهم المصطلحات الفيزيائية بشكل صحيح فما بالك بالمصطلحات الفلسفية الاكثر غموضا لسبب اعتمادها على اللغة و ليس على الرياضيات و التجربة.
بل ان جزء معتبر من هذا الكتاب كان قد نشر على شكل فيديوهات على اليوتوب كانت الاقل اقبالا على الاطلاق.
اذن محتوى هذا الكتاب فى الاخير اكتفيت فى صياغته بما قدمته هنا و تناوله الاصدقاء معى بالنقاش و الاهتمام.
الفصل الاول يحتوى على مقدمات عامة.
الفصل الثانى يتناول بالخصوص مسلمات الميكانيك الكمومى و تجاربه الاساسية التى يصعب فهمها ارسطيا و ايضا يحتوى على عرض لكثير من التفسيرات و على شرح مستفيض لمعضلة الرصد ومبرهنة بال. و هذا الفصل يحتوى ايضا على عرض للتفاسير الوعيوية للميكانيك الكمومى.
الفصل الثالث يتناول معضلة ضياع المعلومات فى الثقوب السوداء من جوانبها المتعددة و يحتوى ايضا على عرض لكثير من نظريات الجاذبية الكمومية و بالخصوص الثنائية بين الحقل المعيارى و فضاءات دى سيتر العكسية المعروفة باسم التقابل AdS/CFT. لكن هذا الفصل يحتوى ايضا على معضلة الزمن الكمومى و هى ربما المعضلة المؤسسة لمعضلتى الرصد الكمومى و ضياع المعلومات فى الثقب الاسود.
الفصل الرابع يحتوى على توليفة شخصية بين معضلتى الرصد الكمومى و ضياع المعلومات فى الثقب الاسود.
الفصل الخامس يحتوى على محاولة اخرى للربط بين الثقب الاسود و معضلة الرصد الكمومى.
الفصل السادس يحتوى على عرض مستفيض للمنطق الكمومى و مقارنته بالمنطق الكلاسيكى. لكن يحتوى ايضا على عرض آخر لمبرهنة بال عبر مبرهنات ناتجة عنها او مرتبطة بها مثل مبرهنة غليسون, مبرهة كوشن - سباكر, مبرهنة اللعبة الكمومية ومبرهنة حرية الارادة.
الفصل السابع هو عرض شامل لفسلفة بوهر و هايزنبرغ. حيث اننى سميت هذا الفصل تفسير (تفسير كوبنهاغن). وشخصيا اعتقد ان هذا الفصل هو من اجمل الفصول. و هذا الفصل كنت قدمته كمحاضرات على اليوتوب تلقت اضعف التفاعل على الاطلاق وهو الذى دفعنى بالاساس الى تطليق اليوتوب بالطلاق البائن.
الفصل الثامن يحتوى على رؤية شخصية للعلاقة بين الميكانيك الكمومى من جهة و المونيزم المحايد (لابن عربى و سبينوزا) و المنظوريانية (لابن عربى و نيتشة) و الثنائية جسم-عقل (لديكارت و ليبنيز).
فى هذا الفصل نتناول ايضا بالمناقشة الفرضيات المذهلة لبولتزمان-وشوتز الخاصة بالزمن, المبدأ الانطروبيكى (لدايزون), فرضية المحاكاة و المصفوفة (لشالمرز و بوستروم), فرضية التزامنية (لجونغ و باولى), مع امور اخرى كثيرة.
وقد كنت قدمت نسخة اولى بالعربية من هذا الكتاب منذ سنوات الى ناشر عربى فقال لى المحكم الذى نصبه الناشر ليحكم علي العمل انه -اى الكتاب- (غير متسق علميا).
اما الناشر البريطانى فهو وجده متسق علميا و قبله للنشر مباشرة و نشره ودفع لى اجرا وهذا بعد ان نصب ثلاثة من المحكمين و ليس واحدا قبله الثلاثة حتى ان احد المحكمين البريطانيين قال فى تقريره (انصح بالنشر لاننا نريد ان نسمع رأى المؤلف فى هذه الاشياء بشكل اكثر تفصيلا).
هذا ان دل على شيء فانما يدل على العلاقة المرضية غير-الطبيعية بين (العقل العربى) من جهة و (العلم) من جهة اخرى و انها تختلف جدليا عن العلاقة الطبيعية الكائنة بين (العقل الغربى) و (العلم).
فعلى ما يبدو فان الثقافة العربية ترى (التناقض) (عقلا) و ترى (العقل) (تناقضا) و هذا من اغرب الثقافات.
الماضى الكمومى
من وجهات نظر مختلفة و متنوعة (فيزيائية و رياضية و نظرية و تجريبية) فانه من الواضح جدا ان طبيعة (الزمن) و طبيعة (الوعى) تلتقيان فى كثير من الامور لكن لا تتوحدان تماما الا فى اطار (نظرية الرصد الكمومى).
فمثلا أهم خواص الزمن هما التدفق flow و السهم arrow المتوجهان من الماضى الى المستقبل.
وأهم خواص الوعى هما الذاكرة memory و الحرية freedom و الذاكرة متوجهة نحو الماضى اما الحرية فهى متوجهة للمستقبل و الوعى ليس الا الحاضر.
اذن الميكانيك الكمومى يوحد بين الحاضر (الراصد و الوعى) و الماضى (الذاكرة و التذكر) و المستقبل (الحرية و التنبؤ).
فالميكانيك الكمومى يؤكد انه لا يعلم الماضى مثلما انه لا يعلم المستقبل و فقط السببية causality المتوجهة هى الاخرى من الماضى الى المستقبل هى التى تجعلنا نتوهم اننا نعلم يقينا الذاكرة بينما لا نستطيع الا ان نظن بالمستقبل.
اما كون السببية متوجهة من الماضى الى المستقبل فهذا راجع الى توجه السهم فى الزمن.
فسهم الزمن فى الفيزياء و عندنا هو اكثر اساسية من سهم السببية.
اما كون الزمن له سهم فهو راجع الى ال becoming اى (أن يصبح) الذى يسيطر على الوجود فى سعيه نحو الكمال.
(فالوجود الذى هو موجود) يسعى الى (الوجود الذى هو وجود) اى يسعى الى ال being اى (أن يكون).
اذن لا شك ان التغير او الزمن او الاصباح هو السمة الاساسية للموجود اما الوجود او الكينونة فى حد ذاتها اى ال being فهى ثابتة لا تتغير.
اذن حسب هذا الرأى فان القوانين الفيزيائية هى اكثر اساسية من الجسيمات الاولية و هذه النظرة تسمى (فلسفة الطريقة process philosophy).
عكس الفلسفة الاخرى فلسفة الاغلبية التى تسمى (فلسفة الجوهر substance philosophy) التى تركز على الوجود و على الجسيمات الاولية و ليس على الاصباح و على القوانين الفيزيائية.
اذن الحقيقة اننا لا نعلم شيئا لا بخصوص الماضى و لا بخصوص المستقبل فنحن -حسب الميكانيك الكمومى- لا نستطيع الا ان نظن فى الاتجاهين فى الزمن.
اذن التاريخ حسب الميكانيك الكمومى هو ليس الا شيء احتمالى لا يقين فيه و اقصد بهذا الامر انه احتمالى من الناحية الانطولوجية و ليس من الناحية الابيستيمولوجية اى ان هذه الاحتمالية هى ليست فقط نقص فى المعرفة بل هى نقص فى الوعى نفسه.
وهذا كله بسبب التناظر فى الزمن. فالتدفق و السهم هما فقط من خواص الوعى مثلما ان الذاكرة هى من خواص الوعى و الحرية هى من خواص الوعى.
والوعى هو موجود فى الحاضر و فى (الفضاء) اى فى (المكان) و ميزة (المكان) او (الفضاء) فى هذا (الحاضر) انه يتمدد او يتوسع فهو يريد ان يصبح لانهائى او يدرك المالانهاية حتى يبلغ و يدرك (الوجود الذى هو وجود) اى ال being.
اذن حتى نؤكد فان الميكانيك الكمومى لا يعلم فعلا الا الحاضر فهو لا يعلم حتى الحالة الابتدائية لا للكون و لا للانسان و هناك فرق بينهما كبير (بين الحاضر و الحالة الابتدائية) و هذا يزيد من اللايقين الذى يميز الوعى فالوعى هو ليس الا الحاضر اما كل شيء آخر فهو محتمل ظنى.
هذا الموضوع يسمى (الماضى الكمومى).
و اكثر من هذا فان لايقين الوعى يمتد بشكل طبيعى الى (الفضاء) او (المكان) نفسه الذى هو أب (الوجود الذى الذى هو موجود) اى ال becoming.
اذن اساس الزمن و الوعى و السببية و كل شيء آخر هو الفضاء او المكان فهو الخاصية الاولى للكون بدون نزاع.
وبهذا تمتزج فلسفة الفيزياء بالفلسفة الوجودية.
اذن نظرية الرصد الكمومى توفر لنا فرصة توحيد الزمن و الوعى و الفضاء و السببية فى اطار شامل واحد واهم خاصية فى هذا التوحيد ان الجميع نسبى منظوريانى.
وهذه آخر الفقرات الفايسبوكية التى سأضمها الى كتابى الجديد فى (فلسفة الميكانيك الكمومى) الذى سيصدر هذا الشهر ان شاء الله مع ال IOP البريطانى.
وهذا كتاب كنت قد بدأت كتابته هنا على الفايسبوك منذ خمسة سنوات و خلاصة الموضوع انه رغم اننى وضعت اطارا شاملا لرؤيتى الخاصة لموضوع (فلسفة الكمومى) الا اننى مازلت بعيدا عن اى فهم نهائى ارتضيه و ارضاه لنفسى و لغيرى.
الميكانيك الكمومى, الميكانيك الاحصائى و الفيزياء العددية-الحاسوبية
حتى نرجع الى تقديم الفيزياء الحقيقية و لا نقع فى فخ تقديم الوعود الوهمية نُقدم اليوم مقال نادر بل شامل جامع من الفيزيائى الامريكى الكبير كرويتز Creutz وقد كان كتبه من اربعين سنة وهو أحد رواد بل من احد اباء (نظرية الحقل الكمومى على الشبكة lattice quantum field theory) التى تعنى بكل بساطة كيف نضع الحقل الكمومى -الذى يصف الجسيمات الاولية و تفاعلاتها- على الحاسوب و نقوم بدراستها عبر اجراء التجربة الافتراضية virtual experiment او المحاكاة simulation عبر طريقة مونتى كارلو Monte Carlo method.
وقد وجدت مقاومة من كثير من الطلبة و كذا من كثير من الاساتذة (ولى تجربة شخصية مع اساتذة هم من المشاهير الآن لاختلاط السياسى عندهم بالعلمى) اذن مقاومة للفيزياء الحاسوبية و العددية و للطرق العددية و بالخصوص طريقة مونتى كارلو وهذا لسبب العجز و لسبب الجهل لكن وجدت ايضا حماس شديد من طلبة آخرين و اساتذة آخرين على العدديات الجاهزة التى لا تمت بأى صلة للفيزياء النظرية-التجريبية التى تؤسس لها الفيزياء الحاسوبية computational physics على المناهج الامريكية (المادة المكثفة condensed matter) و الالمانية (الديناميك اللونى الكمومى quantum chromodynamics) و اليابانية (الاوتار المصفوفية stringy matrices).
اذن نحن بين مطرقة الجهل و سندان الجهالة.
اذن كرويتز فى هذا المقال من عام 1981 (عندما كانت علوم الحاسوب و علوم الحاسوبية الفيزيائية فى مهدها) يقوم بدراسة الميكانيك الكمومى عبر الطرق الاحصائية.
كرويتز و تلميذه يقومان بالخطوات التالية:
- اولا يقترح مسألة بسيطة من الميكانيك الكمومى هى مسألتى
*** الهزاز التوافقى harmonic oscillator (مثلا نواس ينوس او نابض ينبض او اى حقل حر او بالاحرى اى حقل حر او غير حر يكفى اى يكون حقل اضطرابى perturbative field).
و
*** الهزاز اللاتوافقى anharmonic oscillator. وهو ابسط تفاعل يمكن ادخاله على توافقية الهزاز التوافقى عبر اضافة طاقة كامنة رباعية quartic فى الاحداثية. الهزاز التوافقى طاقته الكامنة هى تربيعية quadratic فقط.
-ثانيا بعد ذلك يقدم كرويتز صياغة فايمان Feynman formulation عبر تكامل الطريق path integral الشهير للميكانيك الكمومى.
تكامل الطريق يحسب سعة الاحتمال probability amplitude بين نقطتين على انها التراكب الخطى linear superposition اى المجموع على جميع الطرق الرابطة بين النقطتين.
يقدم بعد ذلك كرويتز الحل الرياضى الكامل للهزاز التوافقى عبر طريقة مصفوفة التحويل transfert matrix. و يقوم بحساب جميع دوال الربط correlation functions و اولها المنتشر propagator.
-ثالثا يقوم بعد ذلك بتدوير rotation الزمن الحقيقى real الى الزمن الاقليدى Euclidean اى ما يسمى بتدوير وييك Wick rotation. فيتحول تكامل الطريق الكمومى الى دالة التقسيم partition function الاحصائية و تتحول سعة الاحتمال الكمومية الى احتمال بولتزمان الحرارى.
اذن تحويل الزمن الى متغير اقليدى مثل الفضاء يحول الميكانيك الكمومى الى ميكانيك احصائى.
دوال الربط الكمومية تتحول اذن الى متوسطات احصائية.
-رابعا هذا التدوير (اى التحويل) الاقليدى للميكانيك الكمومى الى ميكانيك احصائى هو يمكن ان يكون بداية تفسير عقلانى للميكانيك الكمومى. اذن علينا فقط ان نتخلص من نسبية الزمن و تحويل الزمن الى متغير اقليدى مثل الفضاء. تأملوا هذه الامكانية.
-خامسا يقوم بشرح سلاسل ماركوف Markov chains التى هى المؤسس لطريقة مونتى كارلو. و يقوم بالخصوص بشرح طريقة ميتروبوليس Metropolis (وميتروبوليس هو كيميائى و ليس فيزيائى). و طريقة ميتروبوليس هى الطريقة الاقدم و الاكثر عمومية من بين حميع طرق مونتى كارلو.
أهم شيء هنا هو كيف نستخدم طرق مونتى كارلو لحساب تكامل الطريق عبر حساب دالة التقسيم و لحساب المتوسطات. فمثلا يشرح هنا ايضا طريقة الخزان الحرارى heath bath method الشهيرة و يقارنها بطريقة ميتروبوليس.
وفى هذا الاطار يشرح ايضا كيف تتحول المتوسطات الاحصائية الى متوسطات حسابية و يشرح كيف يتم تقييم الخطأ الاحصائى اى الخطأ التجريبى فى هذه المتوسطات (وعليكم التفريق بين الاخطاء الاحصائية statistical errors وهى اخطاء تجريبية-افتراضية يجب ان تكون و الاخطاء المنهجية systematic errors التى هى راجعة الى طريقة الحساب وهذه لا يجب ان تكون. وطريقة ميتروبوليس بل جميع طرق مونتى كارلو لا تحتوى الا على الاحطاء الاحصائية).
-سادسا يقوم بتطبيق طريقة ميتروبوليس على دالة تقسيم الهزاز التوافقى. بالخصوص يقوم بحساب الحالة الاساسية ground state و احتمالها (اى دالة الموجة) و كذا الحالة المثارة الاولى first excited state و احتمالها. ويقوم ايضا بحساب دالة الربط الثنائية two-point function اى المنتشر.
-سابعا يقوم يتعميم حساب مونتى كارلو الى الهزاز اللاتوافقى.
هنا نلاحظ العلاقة الوثيقة بين الهزاز التوافقى و الهزاز اللاتوافقى من جهة و بين المجال السلمى الحر free scalar field و نظرية فاى-فور phi-four theory من جهة اخرى.
اكثر من هذا نلاحظ العلاقة الوثيقة بين الهزاز اللاتوافقى و النظرية المصفوفية التربيعية quartic matrix theory.
-ثامنا يقوم كرويتز ايضا باضافة ما نسميه فى الميكانيك الكمومى و نظرية المجال الكمومى منبع خارجى external source (يمثل حقل مغناطيسى مثلا) الى الهزاز اللاتوافقى و يقوم باعادة الحساب. بالخصوص يقوم بحساب الكمون الفعال effective potential وهى الدالة التى تتحكم بكل الظواهر الكمومية للجملة. و حساب الكمون الفعال هو من اصعب المهام فى نظرية المجال الكمومى و هو الهدف الاساسى لكل ما يسمى نظرية الفعل الفعال theory of effective action التى هى الهيكل العظمى لنظرية الاضطرابات perturbation theory فى نظرية المجال الكمومى.
-تاسعا يقوم ايضا بحساب تأثير النفق tunnel effect فى جملة الهزاز اللاتوافقى و سوف ترون مباشرة فى المحاكاة التى يوفرها كرويتز من عام 1981 كيف يتسبب الانسطانطون instanton (و يسمى فى بعد واحد مثل حالتنا هنا ب الكينيك kink) فى هذا الانتقال الكمومى الشبحى بين مختلف الحالات الاصغرية المعروف باسم تأثير النفق. الانسطانطون او الكينك هى تشكيلات طوبولوجية topological configuration تقع فى مقابل الجسيمات الاولية.
اذن هؤلاء الرجال من امثال كرويتز يقومون بحساب تحليلى و عددى و حاسوبى جبار منذ 40 سنة و نحن مازلت اوصال بعضنا ترتعد عندما يرى الفيزياء العددية-الحاسوبية الحقيقية التى ندعوا اليها. اما بعضنا الآخر فهو يرى نفسه افضل من هذه الفيزياء العددية-الحاسوبية رغم انه لا يستطيع اجراء تكامل بسيط لا بيده و لا برجله. اما بعضنا الآخر فيتعامل مع العدديات كأنها علبة سوداء وعندما تسأله -وقد سألت- يقول لك (لا نحتاج الى اعادة اختراع العجلة) وهو لم يخترع العجلة و لا يعرف حتى الركوب الصحيح لأى عجلة.
اللعبة الكمومية و مبرهنة بال
مبرهنة بال Bell's theorem هى مبرهنة اكتشفها جون بال فى الستينات وجون بال هو واحد من هؤلاء الفيزيائيين الذين لحقوا فعلا بمصاف نيوتن و اينتشاين و بولتزمان و بوهر لكنك لا تجد كثيرا من الناس يعرفه خارج الفيزياء النظرية و هذا لسوء حظهم و ليس لسوء حظه.
و مبرهنة بال هى مبرهنة تضع شروطا ارسطية-كانطية على الطبيعة بينت التجربة فيما بعد انها غير متحققة بالمرة و واقفت نظرية الميكانيك الكمومى التجربة و الطبيعة غاصبة بذلك مبرهنة بال غصبا قصويا maximal violation.
واؤكد من البداية ان الرجل اسمه (جول بال John Bell) و ليس (جون بيل John Bill) و (بال Bell) و (بيل Bill) ليسا نفس الاسم ابدا لمن يعرف ادنى شيء فى الثقافة الانجلوساكسونية.
اذن مبرهنة بال هى مبرهنة محيرة يصعب فهمها رغم بساطتها وهى ادت مباشرة بعد اكتشافها الى عدة تحويرات اهمها ما يسمى متراجحة CHSH نسبة الى اصحابها كلوزر Clauser و هورن Horne و شيمونى Shimony وهولت Holt.
هذه المتراجحة تحولت فيما بعد الى (لعبة كمومية quantum game) اى لعبة رهان تعتمد قواعد الميكانيك الكمومى تسمى (لعبة CHSH).
هذه اللعبة لو لُعبت بحسب قوانين الميكانيك الكلاسيكى فان اقصى احتمال للربح هو 75 بالمائة لكن لو لعبت بحسب قوانين الميكانيك الكمومى فان احتمال الربح يرتفع الى 85 بالمائة.
وهناك العاب كمومية اخرى يمكن ان يصل فيها احتمال الربح الى 100 بالمائة كاملة مثل لعبة مرمن Mermin game و مرمن وقد كنا تكلمنا عنه عدة مرات من قبل هو فيزيائى امريكى متخصص فى الفيزياء الصلبة و ليس الفيزياء النظرية مع عمق شامل فى الفيزياء الكمومية و على هذا فهو استثناء وجب التنويه به دوما.
السر فى رفع نسبة احتمال الربح فى هذه الالعاب الكمومية هو (التشابك الكمومى quantum entanglement) الذى هو اعظم الظواهر الكمومية قاطبة و اكثرها اساسية على ما يبدو.
فالتشابك الكمومى هو مثل الوحى الا انه يؤثر تأثيرا لاسببيا بين المادى و المادى فقط اما الوحى فحسب نظريات الايمان فهو يؤثر تأثيرا لاسببيا بين اللامادى و المادى.
اذن التشابك الكمومى يشترك مع الوحى فى كونه غير-سببى. فالوحى يقينا ليس عميلة سببية -عكس ما يعتقد المتكلمون- بل هو عملية تزامنية (والتزامن synchronicity هو مفهوم جونغ Jung و باولى Pauli الذى ناقشناه فى الاشهر الماضية).
بالمثل فان التشابك الكمومى هو تزامن و ليس سببية.
اى ان حالة الجملة هنا هى متشابكة كموميا مع حالة الجملة هناك هذا لا يعنى ان حالة الجملة هنا تؤثر فى حالة الجملة هناك آنيا سببيا بل هى تؤثر فيها آنيا تزامنيا لان حالة الجملة هنا و حالة الجملة هناك هما فى الحقيقة نفس الحالة و ليست حالتان مختلفتان. وهذا ابسط تفسير للتشابك الكمومى. وهو تفسير فى اعلى درجات الدقة ايضا.
الآن لنشرح اللعبة الكمومية لعبة CHSH.
هناك لاعبين أليس Alice و بوب Bob مفصولين فضائيا spatially separated (اى انه لا يوجد اى تأثير سببى بينهما اى بعبارة اخرى لا يمكن لاحدهما ان يرسل اشارة ضوئية للآخر).
تتلقى أليس سؤال عبارة عن بت كمومى quantum bit او كيوبت qbit واحد نسميه x يمكن ان يأخذ اما القيمة صفر او القيمة واحد.
ويتلقى بوب سؤال ايضا عبارة عن بت كمومى او كيوبت واحد نسميه y يمكن هو الآخر ان يأخذ القيمة صفر او القيمة واحد.
الاسئلة يتم اختيارها بشكل عشوائى بانتظام اى باحتمال يساوى 50 بالمائة للقيمة صفر و احتمال يساوى القيمة 50 بالمائة للقيمة واحد من اجل كل كيوبت.
بمصطلحات الميكانيك الكمومى فان الكيوبت هو عبارة عن عملية رصد لعزم-لف spin الكترون مثلا حيث انه اذا وجدنا عزم-اللف علوى فان البت يأخذ القيمة 1 و اذا وجدنا عزم-اللف سفلى فان البت الكمومى يأخذ القيمة 0.
تقوم أليس و يقوم بوب بالاجابة عن اسئلتها بشكل عشوائى منتظم ايضا عن طريق ارسال كيوبت للحكم.
تقوم أليس بارسال كيوبت a الى الحكم كجواب وهذا الكيوبت يمكنه هو الآخر ان ياخذ احد القيمتين صفر او واحد.
وكذا يقوم بوب بارسال كيوبت b الى الحكم كجواب و هذا الكيوبت يمكنه هو الآخر ان يأخذ احد القيمتين صفر او واحد.
الآن الحكم سيعلن ان أليس و بوب قد ربحا اللعبة اذا كان (الجمع المنطقى AND) بين السؤالين x و y يساوى (التنافى المنطقى XOR) بين الجوابين a و b. المعادلة فى الصورة الثانية.
الجمع المنطقى او ال AND بين القضيتين x و y هو صحيح فقط اذا كانت كل من القضيتين صحيحتين اى ان الكيوبت x يساوى 1 و الكيوبت y يساوى 1.
اما التنافى المنطقى exclusive OR او اختصارا XOR بين القضيتين a و b هو صحيح فقط اذا كانت القضيتان a و b متعاكستان اى اذا كانت احداهما صحيحة فان الاخرى يجب ان تكون خاطئة.
أمام أليس 4 امكانيات لان هناك سؤالين ممكنين و هناك جوابين ممكنين لكل منهما
وايضا امام بوب 4 امكانيات لنفس السبب.
اذن امام أليس و بوب 4x4 امكانية اى 16 امكانية.
لنقوم بحساب الاحتمال الكلاسيكى 75 بالمائة من اجل الاستراتجيات الحتمية اى الاستراتجيات الكلاسيكية.
اذن الجواب x/y يتعلق على السؤال a/b لكل من اللاعبين.
عندما تتلقى أليس السؤال x فانها يمكن ان تقوم باربعة اشياء مختلفة اما ان يكون الجواب a هو x نفسه او ان يكون الجواب a هو مضاد x او ان يكون الجواب a دائما يساوى 1 او ان يكون الجواب a دائما يساوى صفر. لا يوجد شيء آخر.
نفس الشيء بالنسبة الى بوب.
اقصى احتمال نحصل عليه اذا قرر كل من أليس و بوب الاجابة دائما ب 1 او الاجابة دائما ب 0 بغض النظر عن السؤال.
لنفترض ان أليس و بوب اجابا دائما ب 0. فى هذه الحالة فان ال XOR للقضيتين a و b هو دائما 0 و بالتالى فان ال AND للقضيتين x و y هو ايضا صفر وهذا يعنى ان الزوج (x,y) يمكن ان ياخذ القيم الثلاثة (0,0), (0,1) و (1,0).
اذن لدينا ثلاثة معادلات صحيحة من اصل اربعة وهذا يوافق احتمال 75 بالمائة اى 3 تقسيم 4 (انظر الجدول فى الصورة الثالثة).
هذا هو الاحتمال القصوى و نحصل عليه ايضا اذا قررت أليس و قرر بوب الاجابة دائما ب 1.
لا يمكننا تحقيق المعادلات الاربعة معا من الجدول فى الصورة الثالثة و اقصى احتمال كلاسيكى للربح هو 75 بالمائة.
هذا يعبر عليه بمتراجحة كما يلى.
-لتكن α الدالة التى تساوى احتمال الربح ناقص احتمال الخسارة.
-احتمال الربح دائما اقل من 3 على 4 كما راينا.
-اذن α هى محدودة من الاعلى بنصف (تحققوا شيء بسيط جدا).
-مجموع احتمالى الربح و الخسارة يساوى واحد.
-نعرف S على انه اربعة اضعاف α.
-من الواضح ان S محدودة من الاعلى ب 2. المعادلة فى الصورة الاخيرة.
هذه هى متراجحة CHSH وهى تعبير آخر عن متراجحة بال.
كما سنرى فى المستقبل ان شاء الله لعبة CHSH الكمومية لا تحقق تماما متراجحة CHSH لان الاحتمال القصوى للربح فى اللعبة الكمومية هو اكبر من 75 بالمائة و يساوى نصف + جذر 2 تقسيم اربعة اى ما يقابل حوالى 85 بالمائة.
مخططات فايمان للنظرية فاى-فور: نظرية الحقول الكمومية 19
آخر محاضرات (نظرية المجال الكمومى) او ال (Quantum Field Theory) او ال (Théorie Quantique des Champs) هذا الفصل.
فى هذه المحاضرة الاخيرة نقوم و لأول مرة باشتقاق و رسم و حساب مخططات فايمان Feynman diagrams بالنسبة للنظرية فاى-فور phi-four theory.
الهدف هو اشتقاق قواعد فايمان Feynman rules للنظرية فاى-فور التى يمكن عن طريق استعمالها رسم و حساب اى مخطط فايمان مهما كان.
وكل مخطط فايمان فانه يمثل وضعية معينة لوقوع الفيزياء و عبارته الرياضية تمثل سعة احتمال probability amplitude تلك الوضعية.
وهذه الوضعية هى وضعية تقع فى رتبة معينة some order فى ثابت اقتران التفاعل interaction coupling constant (الذى هو الوسيط او العدد الذى يضرب حد الفاى-فور و لهذا تسمى هذه النظرية نظرية الفاى-فور).
حسب مبدأ التراكب الخطى superposition principle للميكانيك الكمومى فان الاحتمال نحصل عليه بأخذ مجموع جميع مخططات فايمان اى اخذ مجموع سعات الاحتمال المرفقة بها ثم اخذ مربع طويلة squared modulus هذا المجموع.
تذكروا فان سعة الاحتمال هو عدد مركب ومن هنا تنبع جميع معجزات الميكانيك الكمومى مثل التشابك entanglement و التداخل interference و غيرهما و لهذا نحتاج الى اخذ طويلتها -اى هذه السعة- ثم نقوم بالتربيع حسب قاعدة بورن Born's rule للميكانيك الكمومى.
بالخصوص نحسب فى هذه المحاضرة سعة الانتقال من-الفراغ-الى-الفراغ vacuum-to-vacuum amplitude و المنتشر الملبس dressed propagator (اى المنتشر الذى يحتوى على تأثير التفاعل) و العقدة الملبسة dressed vertex (اى ثابت الاقتران بعد ان نأخذ بعين الاعتبار تأثير التفاعل عليه) كل منها الى غاية الرتبة الثانية second order فى نظرية الاضطراب petrurbation theory اى الى غاية الرتبة الثانية فى ثابت اقتران التفاعل.
نظرية الفاى-فور هى نظرية اساسية fundamental theory تتحكم مثلا فى فيزياء جسيم الهيغز Higgs particle فى فيزياء الجسيمات الاولية و فى فيزياء التحولات الطورية من الرتبة الثانية second order phase transitions التى تعرف باسم الصنف الكونى ايزينغ Ising universality class (فهذه النظرية الاساسية لفاى-فور هى اساس نموذج ايزينغ Ising model و ليسن العكس).
انظروا ايضا هذه المحاضرة بالانجليزية من اجل ضبط المصطلحات.
سلسة ال (Quantum Field Theory) تحتوى الآن على 40 فيديو حول 20 موضوعا (بعد أن الغيت موضوع الحقل الكهرومغناطيسى الكمومى و اجلته للفصل الثالث القادم فى سبتمبر ان شاء الله).
كل موضوع نتكلم فيه مرة بالانجليزية (لان الفيزياء انجليزية و جمهور الفيزياء العالمى ناطق بالانجليزى) و مرة بالعربية (لان الجزائر لغتها عربية و جمهور الفيزياء العربى ناطق بالعربية).
كل فيديو بالانجليزية يتبعه مباشرة الفيديو بالعربية حول نفس الموضوع و يحملان نفس الرقم.
المواضيع ال 40 مقسومة على خمسة محاور.
-اولا المقدمات التحضيرية (الفيديو 1 الى 5) حول النسبية الخاصة special relativity و الميكانيك الكلاسيكى classical mechanics و فيزياء الجسيمات particle physics.
-ثانيا الميكانيك الكمومى النسبى (الفيديو 6 و الفيديو 7) حول معادلتى ديراك و كلاين-غوردن Dirac and Klein-Gordon equations و حلولهما الحرة free solutions و تناظراتهما symmetries.
-ثالث زمر تناظرات symmetry groups الفضاء-زمن spacetime (الفيدو 8 الى 11) حول زمرتى الدورانات و لورنتز Lorentz and rotations groups و تمثيلاتهما representations.
-رابعا التكميم القانونى canonical quantization للحقول الحرة free fields (الفيدو 12 الى 15) حول التكميم القانونى للحقل السلمى scalar field و لحقل ديراك Dirac field وحساب منتشرات فايمان Feynman propagators السلمية scalar و السبينورية spinorial.
-خامسا نظرية الاضطرابات perturbation theory (الفيديو 16 الى الفيديو 19) حول نظرية الاضطرابات (مصفوفة التصادم scattering matrix, مبرهنة وييك Wick's theorem, علاقات الاختزال reduction formulas و مخططات فايمان Feynman diagrams للنظرية فاى-فور phi-four theory).
-الفيديو ال 20 ابتدأنا فيه الحقل او المجال الكهرومغناطيسى electromagnetic field و سنقوم ان شاء الله بتكميمه فى المستقبل بعد الرجوع من العطلة الصيفية.
الهدف ان شاء الله كما وعدنا منذ اشهر هو الوصول الى (النموذج القياسى standard model للجسيمات الاولية) و هو مرحلة اولى فقط من خمسة مراحل لدراسة نظرية المجال الكمومى وهى مراحل كنت قد فصلتها فى ذلك المنشور القديم.
اذن ترقبوا الفصل القادم ان شاء الله ابتداءا من سبتمبر.
هذه السلسلة اليوتوبية موجودة هنا
باولى الرهيب
وولفغانغ باولى Wolfgang Pauli هو من الفيزيائيين الافذاذ واننى كنت اعلم ذلك منذ عرفت اسمه اول مرة قبل 30 سنة لكننى اصبحت اليوم اعلم ذلك علما أجل من علمى به القديم.
وعلاقته بكارل جونغ Carl Jung هى من اعظم العلاقات الانسانية-و-المعرفية-والعلمية التى قرأت عنها شخصيا.
وهذه العلاقة ابتدأت كعلاقة علاجية بين طبيب و مريض بعد ان انهارت حياة باولى بانتحار امه و زواجه السريع و طلاقه الاسرع من راقصة ثم ادمانه على الكحول.
وبالمناسبة فان كارل جونغ هو مؤسس اندية ال AA اى alchoholic anonymous الامريكية التى تعنى بمحاربة الادمان من الكحول عبر التلاقى الدورى بين الذين يعانون من هذا المرض الفتاك.
اما باولى فهو حقيقة شخصية صعبة قليلا او كثيرا فهو ناقد لاذع كان يسميه زملائه (سوط الله Whip of God) و بعضهم يسميه (باولى الرهيب Pauli the terrible) و غيرها من الالقاب.
فهو ناقد بارع عميق قدم مثلا نقدا هائلا لنسبية اينشتاين وعمره 21 سنة بهت امامه اينشتاين.
وكان من الافذاذ الاوائل للميكانيك الكمومى.
فهو اول من حسب طيف ذرة الهيدروجين باستعمال الميكانيك الكمومى المصفوفى الحديث الذى كان وضعه هايزنبرغ قبل ذلك ببضعة اشهر.
وهايزنبرغ هو زميل باولى فى الدراسة فقد كانا تلميذين معا عند سومرفالد هذا الاخير الذى كان صديق بوهر و زميله فى وضع (النظرية الكمومية القديمة).
وعندما أتى باولى و حل ذرة الهيدروجين فانه وقع فى مأزق كان قد وقع فيه قبله الكثير و لم يجدوا له حلا.
وهو كيف يمكن توزيع الالكترونات على المستويات الطاقوية لذرة الهايدروجين. وهذه مسألة مهمة ليس فقط للهيدروجين بل لكل العناصر الكيميائية الاخرى.
اذن حالة الالكترون تتميز باربعة اعداد كمومية هى العدد الكمومى الرئيسى principal quantum number (الذى يعبر عن المستوى الطاقوى للالكترون), العدد الكمومى المدارى orbital angular momentum (الذى يعبر عن الحركة الدورانية للالكترون فى الذرة), العدد الكمومى السمتى azimuthal quantum number (الذى يعبر عن اتجاه العزم الزاوى للالكترون) و العدد الكمومى المغناطيسى magnetic quantum number (الذى يعبر عن اتجاه عزم-لف الالكترون).
اذن حتى تتوزع الالكترونات على المستويات الطاقوية فانها يجب ان تحقق شيئا اسمه (مبدأ الاستبعاد لباولى Pauli's exclusion principle) اى لا يمكن لأى الكترونين ان يتميزا بنفس الاعداد الكمومية الاربعة الآنفة الذكر وهذه هو معنى انه لا يمكن لاى الكترونين ان يحتلا نفس الحالة الكمومية.
هذا مؤكد تجريبيا وهو يعطى الجدول الدورى للعناصر الكيميائية بالكامل.
بعد سنوات عام 1940 باولى نفسه قدم تفسيرا لمبدأ الاستبعاد حيث ربط بين عزم-لف الجسيم او السبين spin و بين احصاء statistic الجسيم.
هذه واحدة من اعمق مبرهنات الميكانيك الكمومى تسمى مبرهنة السبين-و-الاحصاء spin-statistic theorem.
اذن من اجل الجسيمات ذات عزم-اللف الذى هو عدد نصف-صحيح half-integral (مثلا الالكترون الذى يتميز بعزم-لف يساوى نصف) فان دالة الموجة يجب ان تكون متناظرة-عكسيا anti-symmetric وهذا يعنى انها يجب ان تحقق احصاء فرمى-ديراك Fermi-Dirac statistics. اذن مبادلة اى جسيمين سيعطى اشارة ناقص. هذا هو الذى يعطى مبدأ الاستبعاد.
لكن من اجل الجسيمات ذات عزم-اللف الذى هو عدد صحيح integral فان دالة الموجة يجب ان تكون متناظرة symmetric و هذا يعنى انها يجب ان تحقق احصاء بوز-اينشتاين Bose-Einstein statistics. اذن مبادلة اى جسيمين يعطى اشارة موجبة. وهذا هو الذى يعطى مثلا ظاهرة الليزر و ظاهرة تكثف بوز-اينتشاين التى هى اساس المائعية-الممتازة superfluidity.
اذن مبدأ الاستبعاد هو حالة خاصة من مبرهنة السبين-و-الاحصاء.
وبمكننا ان نرى هذا الامر مباشرة عندما نقوم بتكميم مجال ديراك. حيث انه لو تجرأنا و افترضنا ان مبدأ الاستبعاد غير متحقق و قمنا بالتكميم فاننا سنجد انه لا توجد طاقة اساسية للالكترون. هذا تمرين قام به بسكين Peskin فى صلب كتابه لاهمية الموضوع المحورية لنظرية المجال الكمومى.
ولهذا فاننا نستعمل فى تكامل الطريق لفايمان Feynman path integral الخاص بالالكترون و مجال ديراك (والفرميونات بصفة عامة) الاعداد الغراسمانية Grassmann numbers و ليس الاعداد المركبة.
اذن مبدأ الاستبعاد لباولى هو الذى سمح لباولى بتفسير الجدول الدورى للعناصر الكيميائية باستعمال الميكانيك الكمومى.
يعد سنوات طويلة عندما كان غال-مان Gell-Mann بصدد وضع (نموذج الكوارك quark model) الذى هو الجدول الدورى للجسيمات الاولية فانه وجد ان البروتون مثلا (او اى هادرون hadron آخر) يجب ان تحقق الكواركات المشكلة له مبدأ الاستبعاد لباولى اذن يجب ان تكون دالة الموجة متناظرة-عكسيا.
لكن غال-مان لاحظ ان دالة الموجة بالنسبة للبروتون هى جداء ثلاث اشياء هى الفضاء space و عزم-السبين spin و ما يسمى النكهة flavor و هى كلها متناظرة فمن اين اذن نحصل على التناظر-العكسى.
هنا تجرأ غال-مان وهو عبقرى آخر على افتراض ضرورة وجود عدد كمومى رابع تكون دالة الموجة متناظرة-عكسيا بالنسبة اليه. هذا العدد الكمومى هو ما يعرف اليوم ب (اللون color) وهى فعلا خاصية مميزة اساسية للكوارك (انظروا منشورات فيزياء الجسيمات الاخيرة).
اذن مبدأ باولى للاستبعاد هو السبب الذى ادى الى اكتشاف (اللون) الذى هو الشحنة النووية القوية.
وباولى هو من تنبأ ايضا بالجسيم الشبح (النوترينو) و قد حكيت هذه الحكاية من قبل. لكن باولى اخذ نوبل على (مبدأ الاستبعاد) فهو فعلا اهم بكثير و اعمق و اغمض.
اذن كما ترون مبدأ الاستبعاد ليس شيئا هينا. بل هو مبرهنة السبين-و-الاحصاء فى ابسط صورها. و السبين-و-الاحصاء هو مبدأ التناظر symmetry فى ابسط صوره.
و التناظر هو (اله باولى) الذى رجع عنه عندما حانت وفاته و رجع الى (الله) كما تؤمن به اليهودية فباولى يهودى (كغيره كثير من الفيزيائيين النظريين).
اذن عند الموت فانه لا يكفى لا تناظر و لا اى شيء آخر فكل شئ سيفقد معناه و لا يبقى الا الله.
وباولى عندما مرض مرض الوفاة (وهو السرطان اعاذنا الله و اياكم) ودخل الى المستشفى ادخل الى الغرفة رقم 137.
لكن واحد تقسيم 137 هو ثابت البنية الدقيقة fine structure constant الذى يتحكم فى جميع التفاعلات الكهرومغناطيسية فتشائم باولى وقال (لن اخرج ابدا من هنا) وهذا فعلا الذى وقع.
فباولى كان يؤمن ب (التزامن synchronicity) و التشاؤم و التفاؤل تزامن.
لكن (مبدأ الاستبعاد) نفسه مبدأ لاسببى acausal ففسره بيت Peat وهو تلميذ بوهم Bohm (فى كتابه عن التزامن الذى عنوانه -التزامن جسر بين المادى و العقلى-) بأنه تزامن وهذا تفسير جيد. وبوهم كما تعرفون هو فيزيائى فذ آخر و هو على ما يبدو من المؤمنين ايضا بهذا التزامن الذى يصعب فهمه جدا.
فالتزامن هو (علاقات لاسببية تجمع بين الحوادث من اجل الغاية و المعنى) كما عرفه جونغ.
لكننا نؤكد ان (مبدأ الاستبعاد) ليس قوة و فقط القوى هى العوامل السببية. اذن (مبدأ الاستبعاد) هو ربط لاسببى وهو بالضبط قيد او شرط على الحالات المسموح بها للجملة.
و(مبدأ الاستبعاد) كما تعلمون هو اساس النجوم النوترونية و الالكترونية و الكواركية فهو الذى يتغلب على قوى الانهيار الثقالية الهائلة فى هذه الحالات لكننى اؤكد مرة اخرى ان الاستبعاد هو ليس بقوة سببية بل هو قيد لاسببى (وهذا افضل ما عندى حاليا فى فهم التزامن عبر مثال مبدأ الاستبعاد).
ومن علاقات التزامن التى تذكر و تحكى (لكن كنكتة) هو ما يسمى (تأثير باولى Pauli effect) فان باولى وهو نظرى عملاق يحكى عنه انه كلما دخل الى مختبر تجريبى فان احدى الالات سوف تنكسر و تتعطل بدون اى سبب يذكر. وهذا يسمى تأثير باولى.
اذن باولى يؤمن بالسببية التى تتحكم فى الميكانيكية (ميكانيكية المادة) لكنه يؤمن ايضا بالتزامن الذى يتحكم فى اللاميكانيكية (لاميكانيكية الحياة و الوعى).
و التزامن يسميه باولى (اشعاعية اللاوعى). فكما ان الذرة المشعة سوف تتهافت فى لحظة عشوائية لكن كل ذلك التهافت له معنى و غاية هى القوة النووية الضعيفة فكذلك اللاوعى فان تأثيره هو تأثير عشوائى لا سببى لكنه تأثير بمعنى و غاية هو هذا التزامن.
اذن التزامن يجب توحيده مع السببية مثلما انه يجب توحيد الفضاء و الزمن مثلما انه يجب توحيد الطاقة العادية طاقة-المادة مع الطاقة القطرية طاقة-الحياة.
فهذا هو رأى باولى الذى بلوره مع جونغ.
تأثير هال الكمومى الصحيح و الكسرى
ومن أراد ان يتعلم العلاقة بين (الميكانيك الكمومى) و (الطوبولوجيا) و (الهندسة غير-التبديلية) فعلين ان يدرس تأثير هال Hall effect وهو من ابسط التأثيرات الفيزيائية قاطبة لكنه تفسيره من اعمق ما يكون يجمع بين الكمومى و الطوبلوجى و الهندسى.
هال Hall وهو امريكى اكتشف عام 1880 (يعنى عهود التاريخ القديم الفيزيائية) انه اذا طبقنا حقل مغناطيسى على الكترونات تتحرك فى المستوى عبر تيار كهربائى فى الاتجاه x فان فرق-فى-الكمون voltage سوف يستحث induced فى الاتجاه y. انظر الصورة الاولى.
هذا كل ما الامر.
ولهذا (بسبب هذه السهولة الظاهرية المفرطة) فانه تطلب الامر مائة سنة اخرى الى غاية عام 1980 حتى اكتشف فون كليتزينغ von Klitzing وهو ألمانى اكتشف فى فرنسا ما يسمى (تأثير هال الكمومى الصحيح integer quantum Hall effect).
بكل بساطة اكتشف ان قيم الناقلية conductivity من اجل الحقول المغناطيسية القوية او درجات الحرارة المنخفضة هى قيم مكممة quantized تماما اى انها لا يمكن ان تأخذ الا قيم صحيحة integer values.
و لانها قيم صحيحة فلهذا يسمى التأثير ب (الصحيح).
هذا الاكتشاف (فى الصورة الثانية) تحصل من اجله فون كليتزينغ على نوبل بعد خمسة سنوات فقط عام 1985.
اما لماذا يقع هذا التكميم فالجواب طويل لكننى الخصه هنا فى الجمل القصيرة التالية:
اولا مبدأ الاستبعاد لباولى Pauli's exclusion principle (فباولى حيا كان او ميتا يجب ان يدخل فى اى موضوع كمومى). اذن الالكترونات حرة تماما لا تخضع الا الى مبدأ الاستبعاد لباولى.
ثانيا القيم الصحيحة هى صحيحة لانها قيم طويلولوجية تسمى (عدد شارن Chern number) و اصل القصة ترجع الى اطوار بارى Berry phases و بارى Berry فيزيائى عملاق آخر من علماء المادة المكثفة حصل على نوبل عام 2000 من اجل هذه الاطوار.
اذن الاصل فى هذه الخواص الطوبولوجية هو (طور بارى) وهو الذى يؤدى الى (عدد شارن) و الى (تأثير هال الكمومى الصحيح) كما انه (اى طور بارى) هو الذى يؤدى الى او يؤسس ل كثير من الخواص الفيزيائية الطوبولوجية الاخرى مثل (احادية القطب المغناطيسية magnetic monopoles), (تأثير بوهم-أهارانوف Bohm-Aharanov), (المائعية الممتازة super fluidity) و (الناقلية الممتازة super conductivity).
وكل هذه الظواهر الكمومية الطوبولوجية فالطوبولوجيا تدخل من باب التناظر المعيارى gauge symmetry و خواصه الهندسية و الطوبولوجية.
اذن (تأثير هال الكمومى الصحيح):
-هو تأثير اكتشفته التجربة و لم تتوقعه النظرية (وهذا يحدث دائما فى فيزياء المادة المكثفة و يندر حدوثه فى فيزياء الجسيمات الاولية).
-هو تأثير كمومى ماكروسكوبى و ليس ميكروسكوبى فان الذى وقع عليه التكميم هى الناقلية و هى كمية ماكروسكوبية.
-هو تأثير كمومى طوبولوجى. فالقيم الصحيحة للناقلية هى اعداد شارن الطوبولوجية.
-هو تأثير كمومى من المادة المكثفة لا يهتم به طلبة فيزياء الجسيمات وهذا خطأ كبير جدا جدا.
-هو تأثير كمومى يدخلنا مباشرة على الهندسة غير-التبديلية وهى احدى مقترحات نظرية الثقالة الكمومية.
لكن الامر لم يتوقف هنا بل اكتشف تسوى Tsui و ستورمر Stormer (تأثير هال الكمومى الكسرى fractional quantum hall effect) عامين فقط بعد اكتشاف فون كليتزينغ للتأثير الصحيح اى عام 1982.
فى هذه الحالة فان الناقلية تأخذ قيم كسرية و ليس قيم صحيحة.
ومرة اخرى تسبق التجربة النظرية.
واما هذا التفسير فهو يتطلب التفاعل و لا يكفى فيه مبدأ الاستبعاد لباولى وهذا التفاعل يأتى فى صفة التفاعل الكهرومغناطيسى لكن ايضا يأتى فى صفة التشابك الكمومى.
وهذه الخاصية الاخيرة (التشابك الكمومى) فهى تبينها ما يسمى دوال موجة لافلان Laughlan wave functions التى وضعها لافلان Laughlan وهى تصف فعلا هذا التأثير الكمومى الكسرى وكذا الصحيح دون ان يقوم لافلان بحل معادلة شرودينغر البتة فهو تخمين عبقرى صحيح من رجل عبقرى بحدس فيزيائى ثاقب.
وقد تحصل تسوى و سترومر و لافلان على نوبل من اجل هذه النتائج عام 1998.
اذن (تأثير هال) تحصل من اجله على الاقل 5 اشخاص على نوبل.
و تاثير هال الكمومى الكسرى تدخل فى تفسيره الطوبولوجى ما يسمى (الأنيون anyon) وهو جسيم لا هو فرميون مثل الالكترون او البروتون و لا هو بوزون مثل الفوتون او الفونون.
وهنا يدخل باولى مرة اخرى بمبرهنة السبين-و-الاحصاء spin-statistics theorem.
فكل شيء فى ثلاثة او اربعة ابعاد هو اما فرميون fermion (بعزم-لف سبين ييساوى عدد نصف-صحيح) او بوزون boson (بعزم-لف سبين يساوى عدد صحيح).
لكن فى بعدين (تذكروا انه فى تأثير هال الالكترونات تتحرك فى بعدين) فان الجسيمات تأتى باحصاء ثالث وسط بين الفرميون و البوزون وهذا هو الانيون.
وفى العام الماضى فقط 2020 تم اكتشاف الانيونات بشكل تجريبى لا غبار عليه.
اذن الذى يتحرك فى تأثير هال هو ليس الالكترونات (فهذا تفسير كلاسيكى) بل الذى يتحرك هى الانيونات (وهذا هو التفسير الكمومى-الطوبولوجى الصحيح).
وتأثير هال الصحيح و الكسرى تفسره على مستوى نظريات المجال الكمومى ما يسمى نظرية شارن-سيمونس Chern-Simons theory الطوبولوجية.
ولان الحالات الحدية edge states (التى تقع على حدود طور هال Hall phase) تلعب دورا اساسيا فانه يدخل فى تفسيره ماهو اعقد و اعمق من نظرية شارن-سيمونس الطوبلوجوية وهى الثنائية dS/CFT اى التقابل بين نظريات المجال الكونفورمال CFT و فضاءات دى سيتر dS (ركزوا ليست هذه هى فضاءات دى سيتر العكسية AdS التى تدخل فى تفسير الثقوب السوداء).
و (طور هال Hall phase) هو طور مختلف عن المادة يختلف عن السائل و المائع و الصلب و البلازما غيرها و هو يتحول الى (بلور فيغنر Wigner crystal) وهو طور آخر مختلف جدا من اجل اعداد الكثافة المنخفضة.
لكن من اراد ان يدرس تأثير هال الكمومى الصحيح و الكسرى فعليه ان يرجع الى الميكانيك الكمومى العادى و القيام بدراسة ما يسمى مستويات لانداو Landau states التى تصف حركة جسيمات مشحونة فى حقل مغناطيسى.
و مستويات لانداو هى ايضا نقطة انطلاق الهندسة غير-التبديلية كنظرية ثقالة كمومية.
ولانداو Landau هو الفيزيائى الروسى الفذ الذى فسر التحولات الطورية من الرتبة الثانية و تحصل على نوبل من اجل نظرية لانداو-غينزبرغ Landau-Ginsberg theory و هو له كتب الشهيرة و منها كتابه عن الميكانيك الكلاسيكى (الذى ابتدأ منه غولدشتاين و غيره) و ايضا كتابه عن الميكانيك الكمومى (الذى ترجمه جون بال John Bell صاحب مبرهنة بال اعظم مبرهنة فى العلم).
اذن باولى دخل فى هذه الفيزياء الموجودة فى هذا النص مرتان و لانداو دخل مرة و بال دخل مرة وهؤلاء الثلاثة احبهم حبا جما. و لم اتعب تماما فى ادخالهم فهم دخلوا بكل جدارة و استحقاق.
أهم اكتشافات فيزياء الجسيمات
أهم اكتشافات فيزياء الجسيمات فى رأيى:
ذرية الكهرباء: هذه اكتشفها تومسون باكتشافه للالكترون وهو اول الجسيمات الاولية قاطبة. و الالكترون هو لبتون اى -خفيف الكتلة-.
ذرية المادة: هذا رأى قديم فى فلسفة اليونان و الاسلام. بولتزمان دافع عن ذرية المادة لوحده مدة 40 سنة ثم انتحر. اينشتاين تبنى الفكرة و دافع عنها. بوهر ايضا تبنى الفكرة و دافع. ورذفورد اثبت ذرية الذرة تجريبيا و اكتشف البروتون عام 1911. بوهر و رذفورد و سومورفالد افترضوا ايضا ضرورة وجود النوترون و هو الاخ المحايد للبروتون. البروتون و النوترون هما اول الباريونات (مفرد باريون اى -ثقيل الكتلة-).
ذرية الضوء: كان هذا هو رأى نيوتن و لم يصدقه احد لمدة ثلاثة قرون حتى جاء بلانك و بالخصوص اينشتاين و بوهر و تبنوا الفكرة من جديد. كومبتون اكتشف الفوتون (ذرة الضوء) عام 1923. والفوتون هو اول الجسيمات الشعاعية (اى عزم-لف يساوى 1) الوسيطة لانه يتوسط القوة الكهرومغناطيسية.
الذرية-المضادة: او بالاحرى المادة-المضادة فهذا انجاز ديراك بدون منازع. واول الجسيمات المضادة هو البوزيترون الذى اكتشفه اندرسون عام 1931 بعد اربعة سنوات من تنبأ ديراك.
ذرية القوة النووية: أو بالاحرى المادة الميزونية و الميزون يعنى -متوسط الكتلة- واول الميزونات اكتشافا هو البايون وهو جسيم يوكاوا الذى تنبأ به يوكاوا عام 1934 و اكتشفه باول عام 1947 بعد صعوبة شديدة لان هناك جسيم آخر مقارب فى الكتلة هو الميون (و هو شقيق الالكترون) بكتلة مقاربة يُنتج ايضا مع البيون فى الاشعة الكونية. البيون هو ذرة "الاشعاع النووى القوى" مثلما ان الفوتون هو "ذرة الاشعاع الكهرومغناطيسى".
الذرية الشبحية: و الجسيم الشبح رغم انه شبح الا انه موجود فعلا واسمه النوترينو (بل هناك نوعان من النوترينو) وهذا هو انجاز باولى بدون منازع الذى تنبأ به عام 1930 و لم يقبل منه تنبأه الا فرمى الذكى ثم تمت رؤية النوترينو بنوعيه مباشرة بعد حوال 25 سنة.
الذرية الغريبة: واول الجسيمات الغريبة هو جسيم الكاوون عام 1947 دون اى يتنبأ به احد. ثم تم اكتشاف عدد هائل من الجسيمات الغريبة التى هى غريبة لانها تنتج فى التفاعلات النووية القوية لكنها تتهافت فى التفاعلات النووية الضعيفة.
الذرية الكواركية: عام 1961 يدخل الى الساحة غال-مان و لم يغادرها بعد ذلك حتى توفى العام الماضى. غال-مان قدم ما يسمى (الطريقة الثمانية) عام 1961 وهى مثل الجدول الدورى للجسيمات الاولية ثم قدم (نموذج الكوارك) عام 1964 الذى يلعب بالنسبة للجسيمات الاولية نفس الدور الذى تلعبه نظرية ذرة الهيدروجين بالنسبة للعناصر الكيميائية.
الكوراكات هى الذرات الحقيقية للكون فهى فعلا لا تنقسم اكثر من هذا وهى ثلاثة انواع اولى افترضها غال-مان (الكوارك العلوى, الكوارك السفلى و الكوارك الغريب).
الذرية اللونية: ثورة نوفمبر عام 1974 هو تاريخ اكتشاف الجسيم جاى/بساى الذى لا يقبل تفسير الا فى اطار نموذج الكوارك. نموذج الكوارك اصبخ مؤكد و يتم اكتشاف كوارك آخر هو (الكوارك الجذاب) عام 1974 ثم اكتشاف كوارك خامس هو (الكوارك الجميل) عام 1977 ثم كوارك سادس و اخير فى التسعينات هو (الكوارك الاعلى).
اذن لدينا ستة كواركات و الكواركات-المضادة.
الكوارك لا يمكن ان يكون حر و نقول انه (محبوس) وهذا لا يمكن فهمه الا عبر فرضية (اللون).
فرضية (اللون) تفترض وجود ثلاثة الوان اساسية تلعب دور الشحنة النووية وهى فرضية مؤكدة بكل القرائن التجريبية المتوفرة و مؤكدة بكل القرائن النظرية الموجودة لكنها غير مبرهنة رياضيا. اذن برهنوا.
الاهتزاز الشبحى: فى السبعينات تم ايضا اكتشاف الطاو و هو لبتون آخر. اذن لدينا ستة لبتونات هى الالكترون و الميون و الطاو و كل واحد من هذه مرفق بنوترينو.
النوترينو هو جسيم شبح لانه لا يحمل شحنة كهربائية (اذن لا يتفاعل كهرومغناطيسيا) و لا يحمل شحنة لونية (اذن لا يتفاعل نوويا) و تقريبا منعدم الكتلة (اذن لا يتفاعل ثقاليا) و لا يستطيع ان يتفاعل الا عبر القوة النووية الضعيفة. اذن رصده من اصعب المهمات التجريبية.
فى اواخر التسعينات تم التأكد من ان النوترينو يحمل كتلة ضعيفة جدا وهذا عبر اكتشاف ظاهرة اهتزاز النوترينو اى تغير نكهات النوترينو فيما بينها. هذا الاكتشاف تحصل اصحابه (رؤساء التجربة فقط و ليست الآلاف من الفيزيائيين الذين يعملون فى التجربة) على نوبل 2015 من اجله وهو من اعظم الاكتشافات فى الثلاثين سنة الاخيرة.
الجسيمات الشعاعية البوزنية: و مثلما ان الضوء ذرى (الفوتون) و القوة النووية القوية ذرية (الغليونات التى هى محبوسة لونيا مثلها مثل الكواركات) فان القوة النووية الضعيفة تتوسطها الجسيمات الشعاعية البوزونية التى تم اكتشافها فى اوائل الثمانينات. هنا الفيزيائيون النظريون (وابنبرغ و سلام و غلاشو) اخذوا نوبل عام 1979 و الفيزيائيان التجريبيان (روبيا و فاندارمير. و مرة اخرى الرؤساء و ليست الآلاف التى عمل تحتهم) اخذا نوبل مستقلة عام 1984. اذن هذا الاكتشاف هو الاكتشاف الوحيد الذى اعطيت فيه نوبلان.
الجسيم الاله: وهو الجسيم الذى يربط بين المادة و الاشعاع. هذا تم اكتشافه عام 2012 بعد تنبأ هيغز و انجلرت به فى الستينات. وقد تحصل هيغز و انجلرت على نوبل عام 2013. اذن هذان رجلان صبرا 50 سنة و امد الله فى عمريهما حتى تحصلا على الجائزة على الانجاز وهذا قل ما يحدث.
الجسيم الممتاز: و كل النظريات تنبأت به و كل التجارب كذبت. لكن كما ترون فان النظرية لم تفشل ابدا فى تنبئاتها من قبل فلماذا تفشل الآن.
نظرية كل شيء
العلاقة بين نظرية-كل-شيء theory-of-everything و مختلف النظريات الوترية و المصفوفية للثقالة الكمومية.
نظرية-كل-شيء هى النظرية الأم و سماها ويتن Witten النظرية M حيث ان M تعنى (سحر magic) و (غموض mystery) و (غشاء membrane) و (مصفوفة matrix).
هذه النظرية يجب ان تعيش فى 11 بعد لان 11 بعد هو اقصى بعد يمكن ان يعيش فيه الغرافيتون graviton بتفاعلات متسقة consistent interactions.
وهذه النظرية نعرف ايضا عنها انها من اجل الطاقات المنخفضة low energies تتحول الى نظرية الثقالة الممتازة supergravity الكلاسيكية فى 11 بعد (وهى نظرية معروفة تماما).
ودرجة الحرية degrees of freedom الاساسية لهذه النظرية يُعتقد انها عبارة عن غشاء membrane (وليس نقطة مثل نظرية المجال و لا هى وتر مثل نظرية الوتر) و لهذا قد تسمى هذه النظرية ب نظرية الغشاء membrane theory وهذا الغشاء قد يكون هو البراين M2 الذى هو حل لنظرية الثقالة الممتازة فى 11 بعد.
النظير المغناطيسى للبراين M2 هو البراين M5 الذى هو ايضا حل لنظرية الثقالة الممتازة فى 11 بعد.
العلاقة بين البراين M2 و البراين M5 مثل العلاقة بين الشحنة الكهربائية و الشحنة المغناطيسية تحت تأثير الازدواجية الكهربائية-المغناطيسية.
البراين M5 للثقالة الممتازة فى 11 بعد هو نفسه البراين NS5 لنظرية الوتر اما البراين M2 فهو فعلا مختلف غن البراين D2.
الذى نعرفه ايضا ان نظرية الوتر الممتاز من النوع IIA من اجل التفاعلات القوية جدا تصبح نظرية تعيش فى 11 بعد هى بالضبط هذه النظرية M او نظرية كل شيء. بعبارة اخرى فان تضميم compatification النظرية M على دائرة يعطى نظرية الوتر الممتاز من النوع IIA.
الذى نعرفه ايضا (كحدسية و ليس كمبرهنة) ان التكميم المتقطع فى المخروط الضوئى الذى يرمز له ب DLCQ اى discrete light cone quantization (وهى طريقة معينة فى التكميم قوية جدا فى نظريات الوتر) اذن ال DLCQ للنظرية M يعطى ما يسمى النظرية الم(صفوفية) M-(atrix) theory وهو نموذج مصفوفى للميكانيك الكمومى يسمى نموذج ال BFSS نسبة لاصحابه
تضميم compactification آخر للميكانيك الكمومى BFSS يعطى النموذج المصفوفى IKKT الذى هو أم أو أب الهندسة غير-التبديلية noncommutative geometry.
تحت تأثير الازدواجية T او T-duality (و الازدواجية شيء اقوى بكثير من التناظر) فان نظرية الوتر من النوع IIA تتحول الى نظرية الوتر من النوع IIB اى ان البراين M2 و البراين M5 فى النظرية M (التى هى النظرية IIA عند التفاعلات القوية) يتحولات الى البراين D3 الذى تصفه الهندسة AdS5xS5 وهو اشهر انواع فضاءات دى سيتر العكسية anti de Sitter space للثنائية الثقالية-المعيارية gauge-gravity duality المسماة التقابل AdS/CFT لانه بكل بساطة فان البراين D3 يشبه الكون الذى نعيش فيه.
نموذج الكوارك
نموذج الكوارك quark model من انجاز غال-مان Gell-Mann عام 1964 سمح بتفسير الظاهرتين التاليتين:
اولا الطريقة الثمانية eightfold way اى كون الهايدرونات hadrons (مفرد هايدرون وهى الجسيمات التى تتفاعل عبر القوة النووية القوية strong nuclear force) تأتى فى متعددات multiplets (نعرف اليوم انها متعددات زمرة النكهة flavor group الثلاثية اى ٍٍSU(3)).
هذه المتعددات تأخذ اشكال هندسية متعددة كانت اولها اكتشافا الثمانية الباريونية baryon octet وهو شكل سداسى (يحتوى على البروتون و النوترون من بين ثمانية جسيمات) و الثمانية الميزونية meson octet وهو ايضا شكل سداسى (يحتوى على جسيم البيون pion وهو ثالث الهايدرونات اكتشافا بعد البروتون و النوترون وناقل القوة النووية القوية).
لهذا تسمى (الطريقة الثمانية) بالثمانية لان المتعددات الاولى اكتشافا كانت تحتوى على ثمانية جسيمات لكن هناك متعددات multiplets اخرى مثل العشرية الباريونية baryon decuplet التى تأخذ شكل مثلت راسه يحتوى على جسيم لم يكن معروفا فى ذلك العهد (وهو جسيم الاوميغا) فقال لهم غال-مان يجب ان يكون هناك جسيم بهذه الخصائص و تم اكتشافه بعد ذلك.
ومن اجل هذا الانجاز حصل غال-مان على نوبل.
فى نموذج الكوارك يفترض غال-مان وجود ثلاث جسيمات اولية هى الكواركات (مفرد كوارك quark) تأتى فى ثلاثة نكهات هى الكوارك العلوى up quark و الكوارك السفلى down quark و الكوارك الغريب starnge quark. وهذه الثلاثة نكهات flavors هى التى تؤدى الى زمرة النكهة SU(3).
بأخذ الجداء التنسورى tensor product لهذه الكواركات الاساسية نحصل على الهايدرونات (على الباريونات وهى حالات مرتبطة bound states من ثلاثة كواركات و الميزونات وهى حالات مرتبطة من كوارك و كوارك-مضاد).
اذن هذه هى الظاهرة الاولى.
ثانيا الظاهرة الثانية التى فسرها نموذج الكوارك هو (التصدامات العميقة غير-المرنة deep inelastic scattering).
حيث انه عند ارسال الكترونات ذات طاقة عالية جدا على جسيمات هدف عبارة عن بروتونات فاننا نلاحظ ان اغلب الالكترونات ستمر بدون انحراف لكن هناك بعض الانحرافات عبر زوايا تصادم حادة لا يمكن تفسيرها الا بتصور شحنة البروتون على انها موزعة على ثلاثة جيوب مختلفة داخل البروتون.
هذا يعنى ان اغلب الفضاء داخل البروتون فارغ و ان الشحنة موزعة على ثلاثة جسيمات اولية هى هذه الكواركات. هذا يشبه تجربة تصادم رذفورد مع الذرة.
لكن نموذج الكوارك فشل فى الاجابة عن سؤالين اساسيين:
اولا لماذا لا نرى كواراكات حرة free quarks.
ثانيا التعارض مع مبدأ الاستبعاد لباولى Pauli's exclusion principle.
مثلا جسيم الدلتا من العشرية الباريونية يتشكل من ثلاثة كواركات u.
هذا الجسيم هو جسيم فرميونى fermion اذن حسب مبدأ الاسبتعاد يجب ان تكون دالة الموجة الخاصة به متناظرة-عكسيا anti-symmetric.
لكن دالة الموجة الخاصة بالنكهة و دالة الموجة الخاصة بالفضاء و دالة الموجة الخاصة بعزم-السبين كلها متناظرة symmetric.
اذن كيف يمكن لدالة الموجة الكلية (وهى الجداء) ان تكون متناظرة-عكسيا.
الحل كان فى افتراض عدد كمومى جديد هو (اللون color) اذن هناك دالة موجة خاصة باللون وهذه الاخيرة هى المتناظرة-عكسيا.
مرة اخرى اللغة (اللون) لا تعنى اللون الذى نراه بل هى تعنى خاصية فيزيائية يحملها الكوارك تمثل (الشحنة النووية القوية).
اذن فرضية (اللون) و بالضبط فرضية (ان اللون يمكن ان يأخذ ثلاثة قيم مختلفة) سوف تحل المعضلة مع مبدأ الاستبعاد لباولى.
هذا (اللون) كما يتضح من النظرية المعيارية اللونية color gauge theory فيما بعد هو (محبوس confined) اى انه لا يمكن ابدا ان نرى حالات هايدرونية ملونة فكل الحالات الهايدرونية التى نراها هى حالات شفافة اى بدون لون. فمثلا فى الميزون فان الكوارك يأتى بلون و الكوارك-المضاد يأتى بلون مضاد وهكذا ينعدم اللون.
اذن (اللون) محبوس و منه فان (الكوارك) نفسه وحتى (الغليون) وهو الناقل الحقيقى للقوة النووية القوية هما ايضا محبوسان و اذن فان فرضية (اللون) تؤدى الى حل معضلة عدم رؤيتنا لكواركات حرة عبر فرضية (الحبس اللونى color confinement).
تجربة اينشتاين و بودولسكى و روزن و مبرهنة بال
تجربة اينشتاين و بودولسكى و روزن ارادت ان تبين ان الميكانيك الكمومى غير كامل.
عندما تقيس أليس عزم-سبين الالكترون فى الاتجاه z و تجد مثلا سبين علوى فان عزم-سبين البوزيترون سوف ينهار لحظيا الى السبين السفلى فى نفس الاتجاه.
هذا ما سماه اينتشاين التأثير الشبحى عن بعد. وهذا امر ناجم عن ثلاثة اشياء اساسية فى الميكانيك الكمومى هى (مبدأ التراكب الخطى, مسلمة انهيار دالة الموجة, و التشابك الكمومى).
لكن ليس هذا هو الامر الذى ازعج اينتشاين اكثر بل الذى ازعج اينشتاين و جميع من أتى بعده (ممن يفهم و يستطيع ان يفهم و يصبر حتى يفهم) اذن الذى ازعج اينتشاين هو الآتى.
الآن بعد هذا التأثير الشبحى و انهيار الحالة فان بوب لا يحتاج ان يقيس عزم-السبين فى الاتجاه z لانه يعرفه بل يمكنه ان يقيس عزم-السبين فى الاتجاه x.
اذن فى المحصلة بوب يستطيع ان يقيس عزم-السبين فى الاتجاه z و عزم-السبين فى الاتجاه x فى نفس الوقت وهذا يخرق مبدأ الارتياب لهايزنبرغ لان عزمى-السبين فى اتجاهين متعامدين هما مؤثران غير-منسجمان لا يمكن قياسهما معا (احدهما يلعب دور الموضع و الآخر يلعب دور الزخم).
هذا هو التناقض وهو خطير جدا. فهذا خرق للميكانيك الكمومى نفسه بالميكانيك الكمومى.
المخرج من اينشتاين ان الميكانيك الكمومى غير كامل نحتاج فيه الى متغيرات اضافية تسمى المتغيرات المخفية.
من هنا انطلق جون بال.
اولا الفرضية التى اعتمد عليها اينشتاين فى تجربته هى (الموضعية الواقعية) وهى تتركب من مسلمتين او ثلاث:
اولا الواقعية الكلاسيكية التى تنص على ان الحالات و الخواص الفيزيائية موجودة قبل الرصد (هنا كون بوب لا يحتاج الى قياس السبين بعد الانهيار).
ثانيا الموضعية السببية التى تنص على ان الاجسام المفصولة فضائيا لا يمكنها ان تؤثر فى بعضها البعض (هنا الانفصال السببى-و-الفضائى لبوب و أليس).
وجد جون بال ان متراجحته (المعادلة رقم 2) متناقضة تماما مع حسابات الميكانيك الكمومى (المعادلة رقم 3).
والتجربة تؤكد الميكانيك الكمومى.
ومنه فان نظرية المتغيرات المخفية غير صحيحة.
اى انه اما (الواقعية الكلاسكية) يجب التخلى عنها او (الموضعية السببية) يجب التخلى عنها او يجب التخلى عنهما معا (وحسب ما ارى و افهم فهذا هو الطريق الصحيح تجريبيا).
البرهان:
فى تجربة اينشتاين-و-بودولسكى-و-روزن-و-بوهم-وبال الشهيرة باسم تجربة ال EPR فان أليس Alice تقوم بقياس عزم-السبين spin فى الاتجاه a و بوب Bob يقوم بقياس عزم-السبين فى الاتجاه b ثم نقوم بحساب القيمة المنتظرة expected value لجداء عزمى-السبين باستخدام الميكانيك الكمومى.
النتيجة المُحصل -وهى اشهر من نار على علم فى الميكانيك الكمومى و فلسفته- لا يمكننا ان نحصل عليها بأى نظرية منطق-و-احتمال كلاسيكية (ما يسمى نظريات المتغيرات المخفية hidden variables) تحقق شرط السببية-المحلية Causal-locality (من بين شروط فيزيائية-ميتافيزيقية) اخرى.
هذه هى مبرهنة بال Bell's theorem وهى مؤكدة رياضيا و تجريبيا فاذن هى رياضيات-و-تجربة فلسفية بالمعنى الممتاز بل هى المدخل الى ما اسميه الميتافيزيقا التجريبية (واعتقده مصطلحى).
اذن مبرهنة بال هى بدون ادنى شك اعظم مبرهنة فى العلم -اعظم حتى من مبرهنة غودل- فان مبرهنة غودل تقول بمحدودية الرياضيات اما مبرهنة بال فهى تقول بمحدودية العقل نفسه فالعقل كلاسيكى اما الطبيعة فهى بدون ادنى شك غير كلاسيكية.
ببساطة شديدة مبرهنة بال تنقض المنطق الكلاسيكى بالكامل لكن تبيان هذا يحتاج الى اشياء اخرى.
فى هذا التمرين نقوم بحساب القيمة المنتظرة لجداء عزم-السبين الذى تقيسه أليس (الموجودة فى الجهة اليمنى من الكون) و عزم-السبين الذى يقيسه بوب (الموجود فى الجهة اليسرى من الكون) باستخدام مبادئ جمع العزم الزاوى angular momentum addition فى الميكانيك الكمومى.
بداية فهم فلسفة الكمومى هو فهم مبرهنة بال و من لم تُحيره مبرهنة بال فى ارسخ مسلماته العقلية فعليه ان يتيقن انه لم يفهم بعد ماهو المقصود من هذه المبرهنة و ماذا كان يقصد بال ان يبينه بالضبط.
مبرهنة بال Bell's theorem تبدأ من تجربة ال EPR بعد ان اعاد تصورها بوهم Bohm فى الخمسينات و بال Bell فى الستينات.
اذن فى تجربة EPR نتصور انه لدينا جسيم البيون pion فى حالة سكون ثم يتهافت الى الكترون electron يذهب الى الطرف الايسر من الكون (اين توجد اليس Alice التى ستقوم بقياس عزم-السبين spin فى الاتجاه a) و بوزيترون positron يذهب الى الطرف الايمن من الكون (اين يوجد بوب Bob الذى سيقوم بقياس عزم-السبين فى الاتجاه b).
الزوج الكترون-بوزيترون يُنتج فى حالة تشابك قصوى maximal entanglement (الحالة المفردة singlet state التى ناقشناها فى الفيديو الأول).
اينشتاين Einsetin و بودولسكى Podolsky و روزن Rosen اصحاب تجربة ال EPR يفترضون المسلمتين التاليتين:
-الواقعية الكلاسيكية classical realism اى ان الخواص الفيزيائية للجمل الفيزيائية موجودة قبل اى عملية رصد.
-السببية الموضعية local causality اى ان الخواص الفيزيائية لجملتين فيزيائتين مفصولتين فضائيا لا تتعلق على بعضها البعض.
مباشرة من قواعد الميكانيك الكمومى الاساسية (مبدأ التراكب superposition principle و قاعدة بورن Born's rule) و خواص التشابك الكمومى (التأثير الشبحى عن بعد) و خواص عملية الرصد (انهيار collapse دالة الموجة) نصل الى النتيجة ان الميكانيك الكمومى لا يمكن ان يكون مكتمل و نحتاج الى اضافة متغيرات مخفية hidde variables بالاضافة الى دالة الموجة.
يبدأ بال من هذه النقطة.
ويبين ان اى نظرية متغيرات مخفية تحترم مسلمتى ال EPR (بالاضافة الى مسلمة حرية الارادة التى هى ضمنية) تؤدى مباشرة الى متراجحة (تسمى متراجحة بال) ينتهكها الميكانيك الكمومى (اى النظرية) و الطبيعة (أى التجربة) قصويا.
اى ان التناقض بين الميكانيك الكمومى و التجربة و الطبيعة من جهة و مسلمتى (الواقعية الكلاسكية) و (السببية الموضعية) من جهة اخرى هو ليس تناقض صغير بل هو تناقض فى اقصى درجات التناقض.
اينشتاين كان ضد الميكانيك الكمومى.
بوهر كان ضد الواقعية (تذكروا مبدأ التكامل complementarity).
اما بال العبقرى الكمومى الاول فهو كان مستعد للتضحية بالسببية الموضعية.
لكن الحقيقة انه يجب التضحية الواقعية الكلاسيكية و السببية الموضعية معا وجميع القرائن النظرية و التجريبية اليوم تذهب بهذا الاتجاه.
نموذج المهيرى-و-بولشينسكى
https://badisydri.blogspot.com/2020/12/the-almheiri-polchinski-jackiw.html
وهذا المنشور الاول من سلسلة من المنشورات تخص التفصيلات الحسابية التى تخص معضلة اشعاع هاوكينغ Hawking radiation و ضياع المعلومات information loss فى الثقب الأسود black holes.
وهو منشور استهلك حوالى الشهر و النصف من الحساب و الكتابة و القراءة.
وتحتاجون قراءة او استماع ما ذكرناه بخصوص نظرية المجال الكونفورمال conformal field theory. فتلك اول مراجعة اساسية.
تحتاجون الى مراجعتين اخريتين:
-ماهى معضلة ضياع المعلومات فى الثقب.
-ماهو التقابل AdS/CFT .
لكن بخصوص هذا الموضوع اتوقع ان يكون هناك على الاقل 5 منشورات اخرى تخص المواضيع التالية:
-كيفية حساب انطروبى التشابك entanglement entropy فى نظريات المجال الكونفورمال و علاقة ريو-و-تكاياناغى Ruy-Takayanagi formula و تخمينية الجزيرة island conjecture (هذه ايضا مراجعة فى الحقيقة).
-انطروبى التشابك فى بداية تبخر الثقب و حدسية هايدن-براسكل Hyden-Preskill conjecture فى المعلوماتية الكمومية quantum information. وهذا الحساب هو بالاساس نتيجة هاوكينغ التى تحصل عليها فى السبعينات. الجديد هو ربطها بالمعلوماتية الكمومية. وهذا هو الانجاز الاول.
-انطروبى التشابك بعد زمن بايج Page time و خروج المعلومات من الثقب. وهذا هو الانجاز الاساسى لاحمد المهيرى و زملاءه.
حيث سيتضح ان اشعاع هاوكينغ مرتبط عبر ابعاد اضافية extra dimensions بما بداخل الثقب وهذا تتفيذ مباشر لحدسية ال ER=EPR الشهيرة لساسكيند Susskind و مالداسينا Maldacena.
-العلاقة بنموذج ساشداف-و-يى-و-كايتاف Sachdev-Ye-Kitaev model (والحكاية قد بدأت من هنا فى الحقيقة).
-الذهاب الى تكامل الطريق الثقالى gravitational path integral بدون تقابل AdS/CFT و التحول الطورى نحو الثقوب الدودية wormhole عند زمن بايج.
فى هذا المنشور اقدم بطريقتى الخاصة نموذج المهيرى-و-بولشينسكى Polchinski-Almheiri الذى يعتمد عليه الحل وقد قُدم هذا النموذج عام 2014 من طرف احمد المهيرى و جوزيف بولشينسكى فى البحث رقم 1402.63334.
نموذج المهيرى-و-بولشينسكى هو نموذج ثقالة ديلاطونية dilaton gravity فى بعدين بكمون potential معين يسمح لنا بالحصول على فضاء-زمن دى سيتر-العكسى anti de-Sitter spacetime كخلفية مستقرة و بسبب وجود مجال سلمى scalar field فى النظرية وهو الديلاطون dilaton فان هذا النموذج يقبل ايضا ثقوب سوداء مستقرة لكنها متوازنة حراريا لان اشعاع هاوكينغ ينعكس فى حد boundary الفضاء دى سيتر-العكسى و يرجع نحو الثقب.
فضاء دى سيتر-العكسى الذى يرمز له ب AdS يسمح لنا باستخدام التقابل AdS/CFT اى ان الديناميك الثقالى داخل الفضاء AdS يعطى بنظرية ميكانيك كونفورمال conformal quantum mechanics على الحد boundary الذى هو فى هذه الحالة خط يُعبر عن الزمن.
ايضا ننبه انه فى نموذج المهيرى-و-بولشينسكى فان المادة تعطى بنظرية مجال كونفورمال لا تتفاعل مع الديلاطون الا عبر المترية.
نموذج المهيرى-بولشينسكى هو نموذج مرتبط بشكل عميق بنموذج ساشاداف-و-يى-و-كايتاف (الذى يقوم فى الثقوب السوداء بنفس الدور الذى يقوم به نموذج ايزينغ فى التحولات الطورية من الدرجة الثانية).
فنموذج المهيرى -و-بولشينسكى يوصف بنظرية حدية (اى تعيش على الحد) توصف بالمشتقة الشوارزية Schwarzian derivative مثل نموذج ساشداف-و-يى-و-كايتاف.
فى الفقرة الاولى نقوم بحساب هذه الثقوب السوداء (اى المترية و الديلاطون) ثم نقوم بحساب درجة حرارة هاوكينغ.
هذا الثقب الاسود يسمى ثقب اسود خالد eternal لانه حل رياضى لم ينشأ من انهيارات ثقالية gravitational collapses كما تتشكل الثقوب السوداء فى الواقع.
فى الفقرة الثانية نقوم بحل معادلات الحركة و حساب الثقب الاسود المتشكل من انهيار ثقالى عبارة عن سقوط موجة مادية تنطلق من حد الفضاء لتسقط داخل الثقب.
نحسب مرة اخرى طاقة الثقب و درجة حرارة هاوكينغ و العلاقة بينهما.
فى الفقرة الثالثة نبدأ باستخدام البحث 1905.08762 لاصحابه المهيرى و انجلهارت Engelhardt (وهى امرأة) و مارولف Marolf و ماكسفيلد Maxfield وهو البحث الذى ابتدأ فعليا فيه هذا الحل.
اذن فى الفقرة الثالثة نصف كيف يتم تحويل الثقب الاسود فى فضاء دى سيتر-العكسى الى ثقب اسود حقيقى عن طريق لصق gluing فضاء دى سيتر-العكسى بخزان حرارى heat bath عبارة عن نظرية مجال كونفورمال فى بعدين.
اشعاع هاوكينغ يهرب من الثقب و يخرج عبر الحد الى هذا الخزان الحرارى (هذه هى الفكرة الفيزيائية).
اذن الشروط الحدية يتم تغييرها من شروط عاكسة reflecting عند حد الفضاء الى شروط شفافة transparent (تسمح بمرور الاشعاع).
نقوم ايضا بتحديد الحالة الابتدائية للجملة (ثقب اسود دي سيتر-العكسى+ الخزان الحرارى) التى تعطى بتكامل الطريق الاقليدى Euclidean path integral على نصف الخط المستقيم بحد مشوه deformed boundary.
نقوم بحساب الديفيومورفيزم diffeomorphism الذى نرمز له f الذى يسمح لنا باختزال الجملة لنصف الخط المستقيم (هذه نقطة صعبة تحتاج الى الكثير من التأمل و الحساب معا).
نقوم ايضا بحساب التصحيح الكمومى quantum correction لتنسور الضغط-و-الطاقة-و-الزخم stress-energy-momentum tensor للمادة باستخدام الشذة الكونفورمالية conformal anomaly وهنا تدخل الشحنة المركزية central charge لنظرية المجال الكونفورمال و المشتقة الشوارزية للديفيومورفيزم f بالنسبة للزمن t.
ثم نعين التصحيح الكمومى للديلاطون.
فى الفقرة الرابعة نقوم بحساب النظرية الحدية و نجد كما ذكرنا انها تعطى بدلالة المشتقة الشوارزية ثم نحسب التصحيح الكمومى لطاقة الثقب و درجة حرارة هاوكينغ.
حول مادة الميكانيك التحليلى
عندما بدأت تدريس مادة (الميكانيك التحليلى) منذ اقل من عشر سنوات كان من المفروض ان نتناول المواضيع السبعة التالية التى اختزلت بفعل ماقبل-الحراك و الحراك و الكوفيد و التفويج بالاضافة الى البريكولاج الجزائرى الى موضوع واحد يتيم لا نستطيع حتى القيام به جيدا.
هذه المواضيع الاصلية السبعة هى كما يلى:
- اولا الصياغة اللاغرانجية Lagrangian formulation و اهم ما فيها قوانين الانحفاظ conservation laws, القيود constraints و الاحداثيات المعممة generalized coordinates, اللاغرانجية Lagrangian, الحساب التغايرى variational calculus و الداليات functionals, معادلات اولر-لاغرانج للحركة, مبدأ دالبمارات D'Alembert principle للعمل الافتراضى virtual work, الفعل action و مبدأ الفعل الاصغرى principle of least action لهاميلتون.
ثانيا الصياغة الهاميلتونية Hamiltonian formulation واهم مافيها الزخم المعمم generalized momentum, المتغيرات المترافقة conjugate variables, تحويل لوجوندر Legendre transformation من فضاء التشكيلات configuration space الى فضاء الطور phase space, الهاميلتونية Hamiltonian, معادلات هاميلتون للحركة, مبدأ الفعل الاصغرى المعمم, مبرهنة ليوفيل Liouville's theorem.
ثالثا الصياغة السمبليكتية symplectic formulation و أهم ما فيها التحويلات القانونية canonical transformations, طريقة المولد generator method, اقواس بواسون Poisson brackets, الشرط السمليكتى symplectic condition و الزمرة السمبليكتية symplectic group, معادلات هاميلتون للحركة المعممة.
رابعا معادلة جاكوبى-هاميلتونى Hamilton-Jacobi equation و الدالة الرئيسية principal function لهاميلتون, مدخل الى التكميم quantization و الميكانيك الكمومى.
خامسا المجال الكهرومغناطيسى كنظرية ميكانيكية يقيود.
سادسا النسبية الخاصة.
سابعا مدخل الى الفوضى.
اذن كان هذا هو البرنامج.
لكن لم نتمكن فى السنتين الاوليتين الا من القيام بالفصول الاربعة الاولى بسبب تآكل النظام التعليمى و النظام العام الذى هو ظاهرة طبيعية فى الجزائر منذ 1962.
ثم وجدنا ان الفصلين الثالث و الرابع فصول صعبة جدا على الطلبة ليس هناك اى امل فى ان يفهمونها فتخلصت منهما ايضا.
ثم جاءت سنتى الحراك و الكوفيد فاكملت الفصل الثانى بصعوبة شديدة مع التخلص من كثير من تعقيدات الفصل الاول (مثل الحساب التغايرى, فأصبحت أجرى الحساب التغايرى variational calculus و كأنه حساب تغيرات calculus of variation عادى من اجل التسهيل و التقدم).
اما هذه السنة (سنة الدراسة عبر الافواج) فاننى تنازلت عن الفصل الثانى بالكامل.
ولا ادرى هل ساضطر الى التنازل عن الفصل الاول العام القادم اذا قدر لنا الله ان ندخل فى هذه التجربة مرة اخرى.
لكن اقول ان نظرية الميكانيك التحليلى هى نظرية اساسية لفهم الفيزياء بل هى اساس الميكانيك الكمومى و نظرية المجالات الكمومية و النسبية العامة و لهذا فاننى انصح فى التحكم في كل عناصرها بدون تنازل و بدون تساهل هذا اذا كانت الفيزياء تهمكم بطبيعة الحال.
وهذه المادة هى مادة (من بين مواد اخرى) تم الغاؤها فى برنامج ال LMD فى صيغته الاولى لان جميع الاساتذة يتهربون منها بسبب ضعوبتها و-بحثهم المتواصل عن السهل- فلم يدافع عنها احد ولم تجد من يكتبها فى البرنامج الرسمى حتى تمت مراجعته بعد ضغط ممن يعرفون الفيزياء بشكل صحيح -وهم قلة فى الجزائر-.
والذى جعلنى اشعر بملل اكثر من تدريس هذه المادة و تدريس هذا المستوى هو الجبر على التدريس بالفرنسية بسبب وجود طالب واحد افريقى فى القسم.
اذن فى هذه الجزائر على الاستاذ ان يتنازل لغويا حتى يُرضى ضيوف الجزائر و اتذكر اننى كنت ادرس بالعربية فاشتكتنى طالبة افريقية الى القسم -رغم اننى ادرس لها على انفراد يالفرنسية- فجاءنى مسؤول البيداغوجيا فى القسم ينفش ريشه علي فنتفته له -لكننى ندمت بعد ذلك لانه لا يوجد افضل فى الجزائر من الصبر على الاذى من الزملاء و تحمل صدماتهم وهذا بالتجربة-.
اذن فى الجزائر مازلت الفرنسية و التدريس بالفرنسية مثل الورم السرطانى الذى لا يريد ان يقتلنا و لا نستطيع علاجه.
و نحن درسنا فى امريكا و غيرها و لم يتنازل لنا اى احد لغويا فنحن سعينا و اجتهدنا حتى نتقن لغة الاستاذ الذى نحن ندرس فى بلاده و جامعته.
اما فى الجزائر فالقوم مازالوا يحلمون او بالاحرى هم مازالوا يهلوسون ان الدراسة بالفرنسية هى المفتاح نحو التقدم و هى ليست الا مفتاج نحو مزيد من التميع و التدهور و البريكولاج حتى يقع الانهيار النهائى الذى سيبتلعنا فى ثقب اسود النسيان التاريخى.
ديراك و المادة المضادة
لا يوجد من لا يعشق فى فيزياء الجسيمات الاولية بعد ان يراها لأول مرة (وقد عشقتها شخصيا بعد ان سمعت عنها و لم اكن قد رايتها بعد).
فهو الحب الحقيقى و من النظرة الاولى فعلا.
و اسألوا اى طالب فيزياء نظرية لماذا جاء الى الفيزياء النظرية رغم صعوبتها و قلة الفرص فيها و انعدام امكانية تحصيل المال و الثراء و الشهرة فيها.
السبب هو ذلك الحب العميق لفيزياء الجسيمات الاولية.
والفينومينولوجيا phenomenology (خاصة القديمة منها و الفينومينولوجيا هى فيزياء الجسيمات فى جانبها الظواهرى الاقرب الى التجربة) اذن هذه الفينومينولوجيا هى مثل الشعر عكس التجريد الموجود فى نظريات المجال و الوتر و الحلقة و المصفوفة الذى هو مثل الفلسفة-و-الرياضيات.
نأخذ قصة اخرى من فيزياء الجسيمات هى قصة بول ديراك Paul Dirac (الصورة الاولى) اذن نأخذ قصته مع معادلته التى تحمل اسمه اى معادلة ديراك Dirac equation.
و ديراك كما يعلم الجميع هو احد عمالقة الفيزياء النظرية التايتن titan و هو يأتى فى الصف الثانى مباشرة بعد الثلاثى الفذ نيوتن و اينتشاين و بولتزمان. بعد هذا الثلاثى تجدون ديراك و اقرانه مثل بوهر و هايزنبرغ و شرودينغر و باولى و بورن و كل هؤلاء من ائمة الميكانيك الكمومى الاوائل.
ديراك مباشرة بعد عام واحد من اكتشاف هايزنبرغ للميكانيك الكمومى المصفوفى و اكتشاف شرودينغر للميكانيك الكمومى الموجى و مباركة الأب الاكبر بوهر للجميع اذن بعد عام واحد قرر ديراك ان يوحد بين هذا الميكانيك الكمومى الوليد و نظرية النسبية الخاصة.
ولان ديراك عبقرى من العيار الثقيل فانه لم يتعب كثيرا فانه وجد الحل بسرعة رهيبة عام 1927 و كانت انطلاقة الحل هى معادلة اينشتاين للطاقة (الصحيحة دائما فى جميع معالم الاسناد العطالية reference inertial frame) التى كتبت فيها منشور كامل الاسبوع الماضى. الصورة الثانية.
الفكرة ببساطة تكمن فى التخلص من المربعات فى المعادلة.
وهذا ممكن لكن مباشرة نصل الى النتيجة ان الجل لا يمكن كتابته بدلالة اعداد بل بدلالة مصفوفات وهذه المصفوفات تعرف اليوم -حتى فى الرياضيات- بمصفوفات ديراك Dirac matrices و يرمز لها ب γ و هى تحقق جبرية تسمى جبرية كليفورد Clifford algebra التى يعتبر ديراك الفيزيائى النظرى مكتشفها الحقيقى.
معادلة ديراك فى المعادلة الثالثة هى ليست الا معادلة شرودينغر فى المعادلة الرابعة الشيء الجديد الوحيد هو ان الهاميلتونية Hamiltonian او مؤثر الطاقة H يجب ان يكون نسبى و هو فعلا نسبى يمكن ان يكتب بدلالة مصفوفات ديراك و مؤثر الزخم momentum operator.
ومعادلة ديراك يجب ان تصف جسيم بعزم-لف-ذاتى (سبين) بساوى نصف و كتلة تساوى m التى تظهر فى المعادلة.
السبين يظهر تأثيره فى كون دالة الموجة ψ هى ليست دالة عادية بل هى شيء يسمى سبينور spinor والسبينور هو كائن رياضى يتميز باربعة مركبات يتحول بشكل معين تحت تأثير تحويلات لورنتز Lorentz transformations (وهو ليس بشعاع كما يتصور اغلب الطلبة).
بعد ان وجد ديراك معادلته قام بحلها.
فوجد ان هناك حلول ذات-طاقة-موجبة (تشكل طيف مستمر هو الطيف الفيزيائى المرصود) و حلول ذات-طاقة-سالبة (تشكل طيف مستمر آخر يسمى بحر ديراك Dirac sea). الصورة الخامسة.
هذا يعنى ان الالكترون الحر الذى يعطى بحالة ذات طاقة-موجبة سوف يتهافت decay او ينهار collapse نحو بحر ديراك لان الالكترون (واى جملة فيزيائية) تبحث دائما عن الحالة ذات الطاقة الاصغر. وهذا الانهيار سوف يترافق مع انبعاث طاقة هائلة بل طاقة لانهائية.
وهذا غير مرصود ابدا. فالالكترون مستقر جدا (بل هو اكثر الجسيمات الاولية استقرارا).
الحل من ديراك كان بافتراض ان بحر ديراك ليس فارغا بل هو مملوء بالالكترونات.
اذن الالكترون الحر ذو الطاقة-الموجبة لا يمكنه ان يقفز الى بحر ديراك لان بحر ديراك مملوء و حسب مبدأ باولى للاستبعاد Pauli's exclusion principle (و باولى عبقرى آخر بقصص مثيرة خاصة به) فانه لا يمكن لاى الكترونين ان يحتلا نفس الحالة الكمومية.
اذن هذا الاقتراح العبقرى حل المشكلة بالكامل لكن السؤال يبقى اين هو هذا البحر (بحر ديراك).
حسب ديراك فان الشحنة الكهربائية لهذا البحر منتظمة لانهائية و ايضا الطاقة منتظمة لا نهائية و لهذا فهو غير مرصود لانه لا يمكنه ان يؤثر على اى شيء.
بل ان شحنة الالكترون الحر نفسه و طاقته فهما محسوبان بالنسبة لشحنة و طاقة هذا البحر.
الآن تصور ان الكترون من الكترونات هذا البحر تم اخراجه الى الطيف المستمر الموجب -اى اصبح هذا الالكترون مرصود- عبر امتصاص طاقة (عل شكل فوتون).
فى هذه الحالة فان الفراغ الذى يتركه وراءه فى البحر (ويسمى ثغر hole) سوف يتميز بشحنة موجبة و كذا طاقة موجبة -تذكروا ان كل شحنة و كل طاقة سوف يقاسان بالنسبة لبحر ديراك-.
اذن الثغر الذى يتركه الالكترون المقذوف خارج البحر وراءه سوف يتصرف كجسيم كتلته كتلة الالكترون و شحنته عكس شحنة الالكترون و اكثر من هذا يتميز بطاقة موجبة.
هذا الثغر هو الالكترون-المضاد anti-electron او البوزيترون positron الذى اكتشفه اندرسون Anderson عام 1931 بعد اربعة سنوات فقط من نظرية ديراك. الصورة السادسة هى صورة اكتشاف البوزيترون الاصلية من طرف اندرسون.
البوم نحن نعرف ان (نظرية الثغر hole theory) لديراك هى نظرية خاطئة لكنه من المؤكد ان توحيد الميكانيك الكمومى مع النسبية العامة يؤدى الى ضرورة وجود المادة-المضادة antimatter.
فالبروتون-المضاد antiproton اكتشف فى عام 1955 فى مسر البيفاترون Bevatron و النوترون-المضاد antineutron اكتشف فى نفس المسرع عام 1956.
وكل جسيم فى الطبيعة يأتى معه جسيم-مضاد antiparticle الا الجسيمات المتعادلة او المحايدة neutral كهربائيا و التى ليس لها عدد باريونى baryon number (مثلا الفوتون فالجسيم-المضاد له هو نفسه اما النوترون-المضاد فهو مختلف عن النوترون (وهما محايدان كهربائيا) وهذا بسبب اختلاف العدد الباريونى فيهما).
كل هذا ملخص فى الصورة السابعة و كما ترون فانه ليس لدينا الا تفاعل انتاج الزوج الكترون-بوزيترون اى ان الطاقة الابتدائية (وهى الفوتون) ادت الى اقتلاع الالكترون (تخلق او انتاج هذا الالكترون) من بحر ديراك و يترك وراءه ثغر هو البوزيترون (اى تخلق او انتاج هذا البوزيترون).
الفراغ الكمومى quantum vacuum هو ليس الا بحر حقيقى (وليس مثل بحر ديراك الوهمى) مملوء بعدد لانهائى من عمليات تخلق او انتاج الازواج pair production (اى ازواج الالكترون-بوزيترون) انطلاقا من الفوتونات و ايضا من العمليات العكسية عمليات افناء او تلاشى الازواج pair annihilation و تخليف فوتونات وراءهم.
كل هذه الجسيمات هى جسيمات افتراضية virtual particles لا تحقق علاقة اينتشاين للطاقة الكلاسيكية بل تحقق علاقة هايزنبرغ للارتياب الكمومية (وهذه قصة اخرى).
اما التفسير الصحيح للحالات ذات الطاقة-السالبة فقد اعطاه فايمان Feynman و آخرين فى الاربعينات حيث ان الحالات ذات الطاقة-السالبة التى تتطور فى الاتجاه الموجب للزمن هى ليست الا حالات ذات طاقة-موجبة تتطور فى الاتجاه العكسى للزمن.
فالنظرية متناظرة تماما تحت تاثير تحويلات العكس فى الزمن time reversal ولهذا فلا يوجد فعلا اى فرق بين الالكترون و البوزيترون من وجهة نظر النظرية.
لكننا فى الطبيعة نلاحظ ان المادة اكثر بكثير من المادة-المضادة وهذه معضلة فى فيزياء الجسيمات الاولية و الكوسمولوجيا تسمى معضلة اللاتناظر الباريونى baryon asymmetry problem وهى من اهم معضلات الفيزياء النظرية على الاطلاق.
البوزونات الناقلة للقوة
الفوتون photon و يرمز له ب γ هو ناقل القوة الكهرومغناطيسية.
وكون الفوتون معدوم الكتلة يعنى ان القوة الكهرومغناطيسية تتميز بمدى range لانهائى.
اى ان المجال الكهرومغناطيسى الذى تنتجه شحنة كهربائية يمكن ان يصل تأثيره الى مالانهاية.
اما الغرافيتون graviton و يرمز له ب G فهو ناقل القوة الثقالية.
وكون الغرافيتون معدوم الكتلة يعنى ان القوة الثقالية تتميز هى الاخرى بمدى لانهائى.
اى ان ان المجال الثقالى الذى تنتجه شحنة ثقالية (اى الكتلة الثقالية) يمكن ان يصل تأثيره الى مالانهاية.
و اننى عربت ال gravity بالثقالة و ليس بالجاذبية لان اساس هذه القوة هو الثقالة اى تأثير الكتلة الثقالية و ليس التجاذب لان جميع القوى فيها تجاذب و تنافر و حتى قوة الثقالة يمكنها ان تتنافر و لا تتجاذب و اشهر مثال على الاطلاق الطاقة المظلمة dark energy التى تعرف باسم الثقالة-المضادة anti-gravity لانها تؤدى الى التنافر و ليس التجاذب.
اما البوزونات الشعاعية vector bosons التى يُرمز لها ب +W و -W و Z التى اكتشفت فى الثمانينات بعد ان تنبأ بها فى الستنيات المسلم القاديانى الباكستانى عبد السلام Salam و اليهوديان الصهيونيان الامريكيان واينبرغ Weinberg و غلاشو Glashow (وهما كانا زميلان فى الثانوية) اذن هذه البوزونات الشعاعية هى ناقلة القوة النووية الضعيفة.
و لان القوة النووية الضعيفة ذات مدى قصير جدا (من رتبة نصف قطر النواة nucleus) فان البوزونات الشعاعية يجب ان تكون ذات كتلة وهى فعلا كذلك و سبب تحصلها على الكتلة هو الانكسار التلقائى spontaneous breaking للتناظر الكهروضعيف electroweak symmetry فى الدقائق الثلاثة الاولى من عمر الكون (و "الدقائق الثلاثة الاولى"" هو عنوان كتاب لواينبارغ يشرح فيه هذا الموضوع بشكل عام).
اذن المجال النووى الضعيف الذى تُنتجه الشحنة الضعيفة weak charge (وليس لها اسم مخصوص) لا يمكن ان يتعدى تأثيره نصف قطر النواة بسبب كتلة الناقلات للقوة غير المعدومة.
اما الغليونات (مفرد غليون gluon وهى ثمانية غليونات) و يرمز لها ب g فهى ناقلة القوة النووية القوية.
لكن القوة النووية القوية هى ذات مدى قصير جدا لكن من الجهة الاخرى فان الغليونات ذات كتلة معدومة بالضبط لانه ليس هناك انكسار تلقائى للتناظر المعيارى gauge symmetry فى هذه الحالة.
التفسير هنا ان المجال النووى القوى الذى تنتجه الشحنة القوية (وتسمى لون color) لا يمكن ان يتعدى مداه حدود النواة ليس لان الناقلات ذات كتلة بسبب انكسار التناظر التلقائى لكن بسبب ظاهرة اخرى تسمى الحبس اللونى color confinement وهى ظاهرة مازالت غير مفهومة الى حد كبير لحد اليوم.
والحبس اللونى كما يدل الاسم يعنى ان الشحنات اللونية محبوسة داخل البروتون و النوترون و غيرهما و لا نرى ابدا كواركات (مفرد كوارك quark) حرة فى التفاعلات النووية القوية مثلما نرى الكترونات حرة فى التفاعلات الكهرومغناطيسية.
واذا كانت فكرة (الانكسار التلقائى) ادت الى جائزة نوبل (لعبد السلام و واينبرغ و غلاشو) فان فكرة (الحبس اللونى) ستؤدى الى نوبل و اكثر يقينا لمن يستطيع ان يقدم تفسيرا نهائيا لها.
وقد حاول فيها توفهت t'Hooft وهو متحصل على نوبل و حاول فيها بولياكوف Polyakov مع محاولته ايضا فى نموذج ايزينغ وهو ما ادى به الى اكتشاف تكامل طريق الوتر string path integral.
وهى ظاهرة ذات علاقة وطيدة ب (الناقلية-الممتازة super-conductivity) لكن ليس على مستوى المادة المكثفة بل على مستوى المادة النووية الاكثر اساسية.
كل الناقلات للقوة (باسثناء الغرافيتون) هى فى الحقيقة بوزونات شعاعية (ليست فقط تلك المرفقة بالقوة النووية الضعيفة) وهذا يعنى بكل بساطة انها جسيمات ذات سبين spin او عزم-لف-ذاتى يساوى واحد وهى كلها مرفقة بمجالات معيارية gauge fields تحترم تناظرات معيارية مضبوطة مختزلة فى زمرة تناظر معيارى gauge symmetry group.
اذن عندما قلنا مثلا ان التناظر الضعيف مكسور تلقائيا فهذا لا يعنى انه ليس لدينا تناظر بل كل الذى نعنيه ان حالة الجملة الاساسية لا تتميز بالتناظر رغم ان اللاغرانجية Lagrangian او الهاميلتونية Hamiltonian او الفعل action او تكامل الطريق path integral او دوال الربط correlation functions فهى كلها متناظرة.
وهذا التناظر المعيارى شرط ضرورى و كافى من اجل تحقيق خاصيتى الاحادية unitarity و اعادة-التنظيم renormalizability و غيرها و هى بكل بساطة شروط تعنى قدرة النظرية على التنبأ.
تبقى قوة الثقالة هى القوة الاكثر مجهولية لانها القوة الوحيدة التى لا نعرف نظريتها الكمومية.
وقد تكون فى الاخير قوة الثقالة قوة كلاسيكية بالكامل (وهذه فكرة نجدها عند بوهر فى تفسيره للميكانيك الكمومى و اصراره على ما يسمى المفاهيم الكلاسيكية) واذا كان الامر فعلا كذلك فهذا يعنى رجوع الميكانيك الكلاسيكى كنظرية اساسية للطبيعة على قدم المساواة مع الميكانيك الكمومى و ليس تقريبا له.
بل يجب النظر فى هذه الحالة للميكانيك الكمومى على انه تقريب للميكانيك الكلاسيكى مثلما انه يجب النظر الى الميكانيك الكلاسيكى على انه تقريب للميكانيك الكمومى.
وهذا امر (كلاسيكية قوة الثقالة) يُصر عليه الفيزيائى المعمر فريمان ديزون Freeman Dyson الذى توفى العام الماضى عن عمر يناهز المائة تقريبا بعد اقل من شهر من كتابتى منشور عنه و عن رايه هذا هنا على الفايسبوك.
وفريمان ديزون هو ايضا اول من ناقش علم الكلام الفيزيائى فى بداية السبعينات حيث اهتم كثيرا بالمبدأ الانطروبيى و مصير الحياة فى الكون و النقطة اوميغا و غيرها من مواضيع الكلام الفيزيائى.
قصة يوكاوا مع البيون و الميون
فى هذا الجزء الثالث نحكى قصة يوكاوا Yukawa و كيفية تنبئه بجسيم البيون pion و اكتشاف جسيم الميون muon معه رغم ان لا احد توقعه.
ويوكاوا هو الرائد فى نظرية التفاعلات النووية القوية وهو فيزيائى يابانى كان معزولا فى اليابان الى اقصى الحدود قبل و اثناء الحرب العالمية الثانية و رغم هذا تمكن من تصور النواة على انها حالة مرتبطة bound state تجمع بين البروتونات و النوترونات عبر القوة النووية القوية وهذا عن طريق تبادل جسيمات ثقيلة هى هذه البيونات (جمع بيون).
اذن البروتون يتنافر او يتجاذب مع البروتون او النوترون عبر تبادل جسيمات البيونات مشكلين بذلك النواة مثلما ان الالكترون يتنافر او يتجاذب مع الالكترون و البروتون عبر تبادل الفتونات مشكلين بذلك الذرة.
يوكاوا قام بحساب كتلة هذا الجسيم باستخدام مبدأ الارتياب لهايزنبرغ ووجدها بين كتلة الالكترون و بين كتلة البروتون ولهذا سماه الميزون meson اى متوسط-الكتلة. كما نعرف اليوم فان البيون هو ميزون واحد من ميزونات اخرى كثيرة.
الاكترون من الجهة الاخرى يسمى لبتون lepton اى خفيف-الكتلة اما البروتون فيسمى باريون baryon اى ثقيل-الكتلة.
اكتشاف البيون استهلك وقت طويلا وهذا بسبب انه ثقيل لا يمكن انتاجه بسهولة فى المسرعات لكنهم كانوا يتمكنون من دراسته فى الاشعة الكونية cosmic rays و ثانيا بسبب انه ينتج فى الاشعة الكونية فى الطبقات العليا من الجو و لا يعيش كثيرا و اكثر الاسباب التى عطلت اكتشافه هو ان هناك جسيم آخر تقارب كتلته كتلة البيون و ينتج ايضا فى الاشعة الكونية كان يسمى الميو-ميزون mu-meson (لانهم كانوا يعتقدون انه ميزون وهو ليس كذلك بل هو لبتون) و اصبح يسمى الآن الميون muon.
باول Powell عام 1947 حسم الامر نهائيا حيث اكتشف البيون و الميون كجسيمين مختلفين و ان جسيم يوكاوا هو البيون اما الميون الذى اخلط الاوراق لاكثر من عشر سنوات فهو لبتون لا يتفاعلا اصلا عبر القوة النووية القوية.
بل ان البيون عندما يتهافت فى الطبقات العليا فى الجو فانه يتهافت الى الميون الذى يتهافت بدوره عند سطح الارض الى الالكترونات. لكن الميون فعلا هو الشقيق الاكبر و الاثخن للالكترون اما البيون فهو وسيط القوة النووية القوية.
تفاصيل اكثر فى المحاضرة.
النوترينو و باولى و فرمى
فى هذا الجزء الرابع -وهو آخر جزء لهذا الاسبوع- سنحكى قصة اكتشاف النوترينو neutrino وكيف ان باولى Pauli اعطاهم الحل وقال لهم هذا جسيم عديم الشحنة, تقريبا عديم الكتلة و يجب ان يتفاعل بشكل ضعيف جدا و رمز له ب ν وسماه النوترون (فالنوترون لم يكن قد اكتشف بعد عام 1930) لكن لا احد صدقه.
حتى جاء فرمى Fermi بعده عام 1933 و اخذ فكرة باولى بشكل جدى و حل بها كثير من معضلات تهافت بيطا beta-decay ليس فقط معضلة الطاقة الضائعة missing energy.
فرمى سمى هذا الجسيم نوترينو (وهو تصغير النوترون بالايطالية لان النوترون كان فى هذا الوقت قد اكتشفه اندرسون Anderson وسماه نوترون اى البروتون-المحايد).
معضلة تهافت بيطا هى ان النوترون الحر لا يعيش الا 15 دقيقة فقط فهذا عمره ثم يتهافت بعدها (اى ينحل أو يتفكك او ينقسم) ليعطى بروتون و الكترون.
نطبق مبادئ انحفاظ الطاقة و الزخم على هذا التفاعل باستخدام علاقات اينتشاين للطاقة و الزخم فنجد ان الالكترون (فى معلم الاسناد العطالى inertial reference frame الذى يكون فيه النوترون ساكنا) يجب ان يخرج بطاقة تساوى 0.8 ميغاالكترون فولط (وهذه وحدات فيزياء الجسيمات الاولية).
لكن هذا ليس ما نلاحظه فى التجربه.
الذى نلاحظه ان الالكترون يمكنه ان يخرج بأى طاقة بين 0 و 0.8 ميغا اليكترون فولط. اذن الذى نلاحظه تجريبيا ان الالكترون يخرج بتوزيع طاقة energy distribution قيمته القصوى هى 0.8 ميغا الكترون فولط.
هذه مشكلة كانت عويصة جدا فى ذلك الوقت حتى ان بعضهم (يقال هو بوهر لكننى لست أصدق هذا) دعى الى التخلى عن مبدأ انحفاظ الطاقة.
لكن بكل بساطة فان باولى (الذى يؤمن بعمق بوجود النفس التى لا يمكننا رصدها. انظر منشور البارحة حول العلاقة بين باولى و جونغ) اذن باولى ببساطة قال للجميع الحل حل هذه المعضلة يكمن فى وجود جسيم ثالث مُنتج فى تهافت بيطا (بالاضافة الى الاكترون و البروتون) وهو جسيم لا نرصده لانه محايد كهربائيا, عديم الكتلة (او صغيرة جدا جدا) و ايضا غير متفاعل لا عبر القوة الكهرومغناطيسية و لا عبر القوة النووية القوية بل هو متفاعل عبر قوة ضعيفة جدا لا تسمح لنا برؤيته فى الكواشف detectors (هذه القوة نسميها اليوم القوة النووية الضعيفة weak nuclear force وهى اقل من القوة الكهرومغناطيسية بمعامل يساوى 10 للقوة -11 (اذن هذا ضعف شديد فعلا)).
هذا الجسيم الشبح هو الذى يحمل الطاقة الضائعة التى لا نراها فى الكاشف ونرى فقط الالكترون بذلك التوزيع الطاقوى الشهير (انظر المحاضرة من اجل منحنى هذا التوزيع).
اذن باولى فكر فى النوترينو مثلما يفكر فى النفس فهو فكر ان هذا جسيم موجود لكن رصده صعب جدا جدا (وهذا وجده بقية الفيزيائيين صعب على الفهم كيف لجسيم ان يكون قد انتج فى تفاعل لكننا لا نراه).
النوترينو لم يُرى مباشرة فى المسرعات حتى عام 1956 من قبل راينس Reines و كوين Cowan.
و نعرف ايضا اليوم ان الذى ينتج فى تهافت بيطا هو ليس النوترينو بل هو النوترينو-المضاد anti-neutrino.
انظروا ايضا المحاضرة من اجل شرح اسباب اختلاف النوترينو عن النوترينو المضاد. هنا يدخل مبدأ تناظر جديد هو مبدأ انحفاظ العدد اللبتونى lepton number conservation.
فى المحاضرة سنشرح ايضا ان عملية تهافت جسيم البيون pion الى جسيم الميون muon فى الاشعة الكونية cosmic rays فى الطبقات العليا من الجو هو مرفق بانبعاث نوترينو.
أما عملية تهافت جسيم الميون الى الالكترون فى الاشعة الكونية على مستوى سطح البحر فهو مرفق بنوترينو و نوترينو-مضاد.
اما لماذا لا يتهافت الميون الى الكترون مع اصدار فوتون فهذا ممنوع بمبدأى تناظر آخرين هما انحفاظ العدد الالكترونى electron number conservation و انحفاظ العدد الميونى muon number conservation وهما معا اقوى بكثير من مبدأ انحفاظ العدد اللبتونى.
هذان المبدأن هما اللذان يؤديان الى ضرورة وجود نوعان من النوترينو هما النوترينو الالكترونى electron neutrino و النوترينو الميونى muon neutrino.
فى هذه العجالة الفيزيائية-التاريخية نكون قد وصلنا الى الخمسينات و فى هذه الفترة دخلت الى العمل مسرعات جديدة اقوى بكثير وهنا وقعت ثورة جديدة فى فيزياء الجسيمات الاولية نحكيها فى اقرب فرصة ان شاء الله.
الفوتون و الفوتونات
جواب على سؤال:
لا يوجد معلم اسناد عطالى يكون بالنسبة اليه الفوتون ساكن لان الفوتون معدوم الكتلة بسبب التناظر المعيارى.
ركزوا جيدا فهذا موضوع بسيط جدا من النسبية الخاصة و الجميع يخطئ فيه وهذا منذ عهد اينشتاين و كانوا يخطئون فيه و اينشتاين حى.
هناك جسيمات اولية فى الطبيعة ليس لديها كتلة اى ان كتلتها صفر وهذه الجسيمات هى (الجسيمات الشعاعية البوزونية الحاملة للقوة). اولا اشرح هذه المصطلحات بشكل مقتضب.
اول و اشهر هذه الجسيمات الشعاعية البوزونية هو الفوتون photon وهو حامل للقوة الكهرومغناطيسية (بكل بساطة الفوتون هو الضوء).
اى انه عندما يتفاعل جسمان او جسيمان او جملتان كهرومغناطيسيا (اى عبر الكهرباء و المغناطيسية) فانهما فى الحقيقية يتبادلان كمات quanta هى هذه الفوتونات و لهذا نقول ان الفوتون هو حامل للقوة الكهرومغناطيسية.
الآن الفتون كتلته عند السكون تجريبيا صفر باخطاء تجريبية فى غاية الصغر.
اما نظريا فان الفتون كتلته هى الصفر الرياضى و الا انكسر التناظر المعيارى gauge symmetry (الذى هو الزمرة التبديلية U(1)) للقوة الكهرومغناطيسية و اذا انكسر هذا التناظر فان نظرية الالكتروديناميك الكمومى quantum electrodynamics تنهار بالكامل فهى تفقد خاصيتيين رياضياتين-فيزيائيتين اساسيتين (لن اشرحهما هنا فهما فى غاية التعقيد) هما خاصية اعادة-التنظيم renormalizability و خاصية الاحادية unitarity (و تذكروا ان الالكتروديناميك الكمومىة او ال QED هو المكون الاول الذى يدخل فى النموذج القياسى standard model للجسيمات الاولية).
اذن الفوتون هو حامل للقوة الكهرومغناطيسية. نقول رياضيا ان الفوتون هو المجال المعيارى guage field الكهرومغناطيسى وهو مجال شعاعى vector field (اى عزم-لف يساوى 1) واما تسميته بالجسيم البوزونى bosonic particle فهذا لأن عزم-اللف هو عدد صحيح (وليس كسر مثل الالكترون الذى عزم-لفه يساوى نصف و لهذا الالكترون يسمى فرميونى fermionic و ليس بوزونى bosonic).
الآن كون الفوتون هو مجال معيارى هو بالضبط لماذا يجب ان يكون الفوتون بدون كتلة.
والكتلة نقصد بها كتلة عند السكون. ولا معنى ابدا للكتلة عند الحركة فتلك طاقة و ليس كتلة.
و كون الفوتون معدوم الكتلة او بدون الكتلة فان هذا يعنى انه لا يوجد معلم عطالى يمكن ان يكون الفوتون بالنسبة اليه ساكن (وتذكروا فان المعلم العطالى او بالاحرى معلم الاسناد العطالى inertial reference frame هو اى راصد يُطبق بالنسبة اليه القانون الاول لنيوتن).
هذا يعنى ان الفوتون لا يمكن ان نطبق عليه علاقة اينشتاين الشهيرة (الطاقة تساوى الكتلة فى السرعة مربع). المعادلة الاولى.
بالعكس هذه العلاقة غير صحيحة تماما بل علاقة اينشتاين الصحيحة هى ان الطاقة تساوى الجذر التربيعى لمجموع (الزخم فى سرعة الضوء) مربع زائد (الكتلة فى السرعة مربع) مربع. المعادلة الثانية.
اذن علاقة اينشتاين الشهرية (المعادلة الاولى) تفترض ضمنيا انه لدينا جسيم بكتلة غير معدومة ثم تفترض انه يمكننا ان نذهب الى معلم الاسناد العطالى اين يكون ذلك الجسيم ساكن (اى ان الزخم يساوى صفر) و منه فان المعادلة الصحيحة (المعادلة الثانية) تختزل الى المعادلة الشهيرة (المعادلة الاولى) و فقط بهذا المعنى فان هذه المعادلة صحيحة.
اذن بالنسبة الى الفوتون فانه لا يوجد معلم اسناد عطالى اين يكون الفوتون ساكن لانه اى الفوتون معدوم الكتلة تماما (و هذا صحيح ايضا بالنسبة لكل جسيم بوزونى شعاعى آخر فى الطبيعة وهم 8 جسيمات أخرى هى الغليونات gluons الناقلة للقوة النووية الكبرى strong nuclear force).
اذن بالنسبة للفوتون نرجع الى المعادلة الصحيحة (المعادلة الثانية) و نعوض بالكتلة المعدومة فنجد ان الطاقة تساوى الزخم فى سرعة الضوء. المعادلة الثالثة.
ولان الفوتونات هى كمات القوة الكهرومغتاطيسية فهى يجب ان تخضع لمسلمة التكميم ل بلانك و اينشتاين و بوهر اى ان الطاقة تساوى ثابت بلانك فى التواتر او التردد frequency (و التواتر يساوى سرعة الضوء تقسيم طول-الموجةwave-length). من هنا ايضا نستخرج ان الزخم يساوى ثابت بلانك تقسيم طول-الموجة. المعادلة الرابعة.
فى المعادلة الخامسة نعيد كتابة العلاقة الصحيحة لاينتشاين (المعادلة الثانية) بشكل يحترم تحويلات لورنتز Lorentz transformations للنسبية الخاصة. اذن نكتبها بدلالة الشعاع-الرباعى للزخم four-vector momentum الذى يساوى الكتلة ضرب الشعاع-الرباعى للسرعة four-vector velocity مثلما ان الزخم العادى يساوى الكتلة صرب السرعة العادية.
الآن كيف يشعر الفوتون و الجسيمات البوزونية الاخرى معدومة الكتلة بالمجال الثقالى و يحدث لها ذلك الانحناء المقاس تجريبيا.
هنا نرجع الى معادلات اينشتاين للنسبية العامة فنجد ان الطرف الايمن لهذه المعادلات هو تنسور الضغط-و-الطاقة-و-الزخم stress-energy-momentum tensor الذى يرمز له ب T وهذا التنسور يحتوى على جميع اشكال الطاقة و الكتلة الموجودة فى الفضاء-زمن. انظر المعادلة السادسة.
اذن مترية الفضاء-زمن لا تقترن couples بالكتلة (هذا لا يحترم تناظرات الديفيومورفيزم diffeomorphisms للنسبية العامة) بل المترية تقترن بتنسور الضغط-و-الطاقة-و-الزخم.
ولهذا فان الفوتون (واى شكل طاقة او مادة آخر) سوف يقترن بالمترية اى ان انه سوف يخضع لتأثير المجال الثقالى و ينحنى يكفى ان يكون لدينا تنسور ضغط-و-طاقة-و-زخم.
ومن هنا تكمن اهمية هذا التنسور وقد كنت قدمته فى سلستى النسبية العامة و الكوسمولوجيا و حتى فى سلسلة النظرية المجالية الكونفورمال و نظرية الوتر. فهذا التنسور هو الطريقة الوحيدة التى يمكن بها لاى مادة حتى لو كانت معدومة الكتلة ان تتفاعل مع الثقالة بشكل يحترم جميع تناظرات الفضاء-زمن.
و اشهر تنسور صغط-و-طاقة-و-زخم هو تنسور المائع المثالى perfect fluid وهذا التنسور هو التنسور الذى يصف توزيع المادة فى الكون باكمله وهو لا يتعلق الا على كثافة المادة ρ و الضغط p. المعادلة السابعة.
النسبية الخاصة
(النسبية الخاصة) هى اول موضوع اساسى فى (نظرية المجال الكمومى). فهى الارضية التى يقوم عليها بناء هذه الاخيرة.
فى هذه الفيديوهات الستة نُقدم نظرية النسبية الخاصة theory of special relativity باقتضاب شديد و نُركز على الامور التى نحتاجها فى نظرية المجال الكمومى quantum field theory و بالخصوص مسألة التناظر الاساسى underlying symmetry الذى يحكم نظرية النسبية الخاصة وهو تناظر لورنتز المعطى بزمرة لورنتز لجميع التحويلات النقطية للورنتز.
اذن نناقش مسلمتى النسبية الخاصة و كيف وصل اينتشاين اليهما.
اولا مبدأ النسبية relativity principle المأخوذ من الميكانيك الكلاسيكى مع تعويض زمرة غاليليو Galileo group بزمرة لورنتز Lorentz group الذى ينص على ان جميع القوانين الفيزيائية تأخذ نفس الشكل (صامدة invariant او محفوظة-الشكل covariant) بالنسبة الى جميع معالم الاسناد العطالية inertial reference frames.
و ثانيا مسلمة الضوء اى ثبات سرعة الضوء بالنسبة الى جميع معالم الاسناد العطالية.
ثم نقوم باشتقاق التأثيرات النسبية (نسبية التزامن relativity of simultaneity, تمدد الزمن time dilation و تقلص لورنتز Lorentz contraction للاطوال) من المسلمتين فى اطار تجربة فكرية Gedanken experiment هى تجربة القطار-و-المحطة.
بعد ذلك نقوم باشتقاق تحويلات لورنتز Lorentz transformations الناجمة من هذه التأثيرات النسبية. بالخصوص نقوم باشتقاق الدفوعات boosts التى هى الحركات العطالية inertial motions فى الفضاء-زمن. تحويل لورنتز بصفة عامة هو تركيب دفوع boost مع دوران rotation. اذن زمرة الدورانات SO(3) هى زمرة جزئية subgroup لزمرة لورنتز SO(3,1).
بعد ذلك نُعرف الشعاع-الرباعى four-vector فى الفضاء-زمن و نعرف الجداء السلمى scalar product للاشعة-الرباعية الذى هو صامد تحت تأثير تحويلات لورنتز ثم نعرف المجال interval وهو مربع المسافة فى الفضاء-زمن و نناقش المخروط-الضوئى lightcone الذى يختزل السببية فى الفضاء-زمن.
اذن ما بداخل المخروط-الضوئى وهو ما يسمى الشبيه-بالزمن timelike هى الحوداث events المرتبطة سببيا بالمبدأ. المخروط-الضوئى الامامى هو المستقبل الذى يمكن ان يؤثر فيه الجسيم الموجود فى المبدأ. اما المخروط-الضوئى الخلفى فهو الماضى الذى يمكن ان يؤثر فى الجسيم الموجود فى المبدأ. مسار الجسيم فى الفضاء-زمن وهو يسمى الخط-الكونى worldline يجب اين يكون محصورا بداخل المخروط-الضوئى.
اما ما بخارج المخروط-الضوئى فهو يسمى الشبيه-بالفضاء spacelike وهى مجموع الحوادث المستقلة سببيا عن الجسيم فى المبدأ وهذا يعرف الحاضر.
النقاط على حدود المخروط-الضوئى فهى تسمى الشبيه-بالضوء lightlike وهى الحوداث المرتبطة باشارة سرعتها سرعة الضوء بالجسيم فى المبدأ.
نُعرف فى الاخير المجال اللامتناهى فى الصغر infinitesimal interval الذى يربط الحوادث فى الفضاء-زمن اللامتناهية فى القرب infinitesimally close من بعضها البعض. هذا المجال اللامتناهى فى الصغر يسمى المترية metric (تساهلا). لكن من هذا المجال فعلا نستخرج تنسور المترية metric tensor.
نُبين فى الاخير ان هذه المترية (المجال اللامتناهى فى الصغر) صامدة تحت تأثير تحويلات لورنتز. من هذا الصمود نستخرج الشرط الذى يُعرف زمرة لورنتز المتشكلة من جميع تحويلات لورنتز.
المسلمات
التأثيرات النسبية
تحويلات لورنتز
المخروط-الضوئى
مترية الفضاء-زمن
Lorentz transformations
Lightcone
الماضى الكمومى مرة اخرى
الانسان وعى وعقل و ارادة.
والانسان ماضى و حاضر و مستقبل.
لكن الانسان مادة ايضا وهذه الاخيرة تخضع للميكانيك الكمومى. اذن الانسان كمومى شاء او أبى.
الميكانيك الكموم يأتى باللاحتمية فى التنبؤ بالمستقبل اذن المستقبل كمومى لانه يخضع لاحتمالات دالة الموجة و لان المستقبل احتمالى لاحتمى غير-يقينى فلهذا يعتقد الانسان انه حر و هو بالفعل حر و الا وقعنا فى الورطة الوجودية.
وتذكروا فان المعضلة الوجودية هى (معضلة تبرير الشر و ليس معضل وجود الشر. فالشر موجود يحتاج الى تبرير وجوده و لا يحتاج الى نفى وجوده عكس ما تفعله كل الفلسفة. اذن هنا اننى وحدى لكننى وحدى فى اشياء كثيرة اخرى وقد تعودت على الوحدة).
اذن المستقبل كمومى احتمالى لاحتمى و من هنا تنبع حرية الانسان.
وهذه اللاحتمية راجعة الى مبدأ هايزنبرغ للارتياب الذى لا يسمح لنا يقياس المتغيرات الفيزيائية المترافقة بدقة كيفية فتمام الدقة فى احدها (مثلا موضع الجسيم) يعنى الضياع التام للدقة فى قياس الآخر (مثلا زخم الجسيم).
اذن هذه اللاحتمية هى فرصة حرية الانسان وهذه اللاحتمية تقع فى المستقبل ولهذا يرى وعى الانسان انه حر بازاء اختياراته فى المستقبل فكل شيء يقع فى المستقبل فهو لاحتمى حتى الموت فهو لا حتمى غير-يقينى احتمالى.
فكل شخص حى مادام حيا يوجد لديه طريق فى فضاء الحالات لن يموت فيه ابدأ وهذا الطريق له احتمال غير معدوم و لو صغير جدا لكن الموت عندما يحل فانه سيقطع هذا الطريق كما انه سيقطع وعى ذلك الانسان. اذن الموت يقطع الوعى كما يقطع الكمومية و اللاحتمية و التراكب الخطى الذى كان متوافر للانسان قبل ان يموت.
اذن كون الموت يقينيا (حتى يأتيك اليقين كما ذكر القرآن) ليس لان الموت لا مناص منه (بل هناك مناص منه و لو باحتمال صغير جدا) بل هو يقينى لانه كلاسيكى غير-احتمالى لاحتمى مثله مثل الوعى.
اذن هناك ثلاثة اشياء كلاسيكية غير-احتمالية حتمية فهناك الوعى (وهذا قد كتبت عنه سابقا) وهناك الموت فهو حادث كلاسيكى مثله مثل عملية الرصد الكمومى الذى يخرج الجملة الفيزيائية اللاحتمية الاحتمالية من التراكب الكمومى الى اليقين الكلاسيكى فكذلك الموت يخرج المستقبل الكمومى اللاحتمى الاحتمالى من التراكب الكمومى الى (اليقين).
اما الشيء الثالث فهو (الماضى) فالماضى ايضا كلاسيكى حتمى غير-احتمالى حسب ما يفهمه الميكانيك الكمومى.
فالمستقبل هو تطور دالة الموجة فى الزمن (وهذه هى اللاحتمية) اما الحاضر (وهو نهاية الماضى) فهو الحالة الابتدائية لدالة الموجة (وهذه الحتمية) التى هى معروفة تماما لان الوعى متيقن تماما من الماضى على انه ثابت كما انه اى الوعى متبقن تماما من المستقبل على انه متغير.
اذن مرة اخرى هى مشكلة الوعى فهو الذى يعتقد جازما ان الماضى يقينى حتمى ثابت غير-احتمالى لانه يثق فى الذاكرة كما يعتقد جازما ان المستقبل غير-يقينى لاحتمى احتمالى لانه يثق فى حريته.
لكن الفيزياء متناظرة تحت تأثير العكس فى الزمن. اى انه لا فرق بين الماضى و المستقبل بالنسبة للمعادلات الفيزيائية.
اذن يمكن ان ننطلق من الحاضر من اجل حساب الماضى باستعمال معادلة شرودينغر و نجد ان الماضى كمومى احتمالى لاحتمى بنفس الطريقة التى وجدنا بها المستقبل كمومى احتمال لاحتمى.
لكن علينا ان نضحى بيقين الوعى فى الماضى اى انه لا يجب التعويل على الذاكرة مثلما ان الكثير لا يعول على الارادة بازاء المستقبل.
الحل الوسط هو ان نقبل فعلا الحل الكمومى اى الماضى كمومى كما ان المستقبل كمومى و ان حرية الانسان (فى المستقبل) هى حرية كمومية تنبع من لاحتمية و احتمالية الكمومى لكن نقبل ايضا ان ذاكرة الانسان (فى الماضى) هى الاحرى ذاكرة كمومية (وهذا مصطلحى) يرجع لايقينها الى لاحتمية و احتمالية الكمومى.
اذن كما ان المستقبل كمومى فكذلك الماضى كمومى. ووجدت هازينبرغ يتكلم عن الماضى الكمومى و يرفضه ووجدت اينتشاين يتكلم عن الماضى الكمومى و يقبله (لكن ليس بنفس الطريقة اعلاه).
ووجدت ديزون (وهو من اباء الكمومى) ينص على ان الماضى كلاسيكى و المستقبل كمومى اذن هو يرفض فكرة الماضى الكمومى لكنه من الجهة الاخرى ينص على ان الحاضر و فصله بين الماضى الكلاسيكى و المستقبل الكمومى هو منبع الرصد الكمومى.
اذن بالنسبة الى ما اقترحه هنا بناءا على تناظر العكس فى الزمن فان الماضى كمومى (الذاكرة لاحتمية اى الماضى لاحتمى) و كذا المستقبل كمومى (الحرية لاحتمية اى المستقبل لاحتمى).
اذن نقبل حكم الوعى الفطرى بخصوص المستقبل فى انه حر نوعا ما لكن نرفض حكم الوعى الفطرى بخصوص الماضى فى انه ثابت.
اذن هذه النظرة التى اقدمها هنا مختلفة عن النظرات الفلسفية الثلاثة الطاغية بخصوص الماضى و المستقبل و الحاضر.
نظرة (الحاضرية presentism) فان الحاضر فقط حقيقة اما الماضى و المستقبل فهما غير حقيقيان.
نظرة (الابدية eternalism) فى ان كل من الماضى و المستقبل و الحاضر حقيقيون.
نظرة (نظرية الماضى-النامى growing-past theory) التى تنص على ان الماضى و الحاضر حقيقيان لكن المستقبل غير-حقيقى.
وكما يبدو فان فكرة (الماضى الكمومى) التى اقترحها هنا هى اقرب الى (الابدية).
الكرة و تناظراتها
الفنان اليونانى كان مهوس بالدائرة circle. وكانت ذروة الفن أن يرسم احدهم دائرة بشكل حر free style اى بدون ابرة و خيط.
والفيسلوف اليونانى كان يعشق الكرة sphere فتصور العالم انه مجموعة من الكرات سماها افلاك و عقول. فكان العالم المادى مجموعة من الافلاك منها الشمس و الزهرة و المريخ و غيرها. وكان العالم الميتافيزيقى مجموعة من العقول ابتداءا من العقل الاول و انتهاءا بالعقل الفعال.
اذن الدائرة و الكرة تلعبان دورا مهما فى الفكر اليونانى.
واخذ الشيخ الرئيس ابن سينا ثم الشيخ الشارح ابن رشد كل ذلك من عند اليونان و لم يغيرا شيئا.
اما حجة الاسلام الغزالى فقبل الى حد ما فكرة العقول لانها تنظير جيد لفكرة النبوة -وهذا تبناه فيما بعد الشيخ الاكبر ابن عربى-.
لكن الغزالى رفض تأثير الافلاك فى الارض -وهذا هو مبدأ التنجيم الاول لكنه ايضا هو مبدأ التزامن synchronicity اللاسببى الاول الذى كان يبحث فيه عالم النفس غير-الفرويدى جونغ Jung و عالم الفيزياء النظرية باولى Pauli. اذن اقول علينا اعادة النظر فى هذا الامر فهى ليست قضية تنجيم بالضرورة بل هى قد تكون قضية علم نفس تبحث فى الوعى من طرق مبتدعة بديعة. وهذا احدث ارائى الجديدة جدا.
اذن الدائرة (فى بعد واحد) و الكرة (فى بعدين) تلعبان دورا حاسما فى الفلسفة اليونانية و الى قدر كبير فى الفلسفة الاسلامية باطيافها الاساسية (سيناوية, رشدية, غزالية و أكبرية).
لكنهما يلعبان ايضا دورا حاسما فى الفيزياء الحديثة و نقصد بها الفيزياء النظرية التى هى اساس الفيزياء و فهمها الحقيقى الاساسى النهائى.
فالدائرة ترتبط بجبرية فيراسورو Virasoro algebra فى نظرية الاوتار الممتازة وهذا امر نعود اليه فى فرصة اخرى ان شاء الله.
لكن الكرة من خلال زمرة تناظرها ترتبط بالتناظرات الدورانية rotational symmetries فى ثلاثة ابعاد و بالتناظرات المعيارية gauge symmetries بشحنتين لونيتين color charges و بتناظرات القوة الكهرومغناطيسية electroweak symmetries و بتناظرات الايزوسبين isospin symmetries النووية و بتناظرات اخرى كثيرة يصعب عدها و حصرها.
وقبل ان اذكر خواص الكرة باختصار اذكر ايضا ان تعميم الكرة فى بعدين الى الكرة فى ثلاثة ابعاد (التى تهم الكوسمولوجيا الاساسية و الاوتار الممتازة و غيرها) و التعميم ايضا الى الكرات فى ابعاد عليا (التى تهم نظرية المجال الكمومى و الميكانيك الاحصائى و نظرية الاوتار الممتازة) موجود وسهل التنفيذ.
فالذى يحدث ان زمرة الدوران التناظرى تتعمم من الزمرة SO(3) فى ثلاثة ابعاد الى الزمرة SO(d) فى d بعد.
الكرة المغموسة embedded فى الفضاء الاقليدى R^3 هى مجموعة النقاط التى تبعد عن مركز بنفس المسافة. وهى تعطى بدلالة الاحداثيات x1 و x2 و x3 للفضاء الاقليدى بالشرط فى المعادلة الاولى حيث ان r هو نصف قطر الدائرة (صححوا المعادلة فان نصف القطر هو r صغير و ليس R كبير حتى لا يختلط الامر مع العنصر الدورانى. لكن اذا لم تخشوا الاختلاط فيمكنكم الرمز اليهما بنفس الرمز كما فعلت).
اذن مجموعة التحويلات النقطية التى تترك الكرة متناظرة هى مجموعة التحويلات النقطية المتعامدة orthogonal و منه الرمز O و الخاصة special ومنه الرمز S التى تشكل زمرة ليه Lie group متضامة compact تسمى الزمرة المتعامدة الخاصة special orthogonal group و يرمز لها ب SO(3).
و كلمتى المتعامدة و الخاصة تعنيان الشرطين فى المعادلة الثانية.
اذن التحويلات هى مجموعة الدورانات على الكرة و هى نفسها مجموعة الدورانات فى الفضاء الاقليدى.
اذن الدورانات على الكرة هى ايزومتريات على الفضاء الاقليدى (لكن الفضاء الاقليدى عكس الكرة له ايزومتريات اخرى هى الانسحابات translations من جهة و الدفوعات boosts من جهة اخرى اما التحاكيات و التشابهات التى هى التحويلات الكونفورمال conformal فهى تغير المترية بضربها بمعامل) و الايزمترية isometry هى التحويل النقطى الذى يحفظ المترية.
بعبارة اخرى فان الكرة لا تتميز الا بتناظرات الدوران اما الفضاء الاقليدى فيتميز بالاضافة الى ذلك بتناظرات الانسحابات و الدفوعات (وكذا الكونفورمال وكل هذه هى جزء من تناظرات الديفيومورفيزم diffeomorphisms التى تغير المترية و لهذا لن نتكلم عنها هنا).
الآن الزمرة SO(3) للكرة مرتبطة بزمرة اخرى اشهر منها هى الزمرة SU(2) وهى الزمرة الاحادية الخاصة special unitary group ذات رتبة rank تساوى 2 و الرمز U يعنى الاحادية اما الرمز S فيعنى خاصة.
هذه الزمرة تلعب دورا حاسما فى التناظرات المعيارية gauge symmetries. و كلمتى الاحادية و الخاصة تعنيان الشرطين فى المعادلة الثالثة.
العلاقة بين الزمرة الاحادية SU(2) و الزمرة المتعامدة SO(3) تتلخص فى كون SU(2) هى غطاء-مضاعف double-cover للزمرة SO(3) وهذا يعنى ان الاولى تغطى الثانية مرتين.
اى الدوران ب 360 درجة (دورة كاملة) فى ال SU(2) يكافئ القيام بدوران ب 720 (دورتين كاملتين) فى ال SO(3).
الزمرة الاحادية SU(2) تعرف بالضبط زمرة السبين spin group فى ثلاثة ابعاد التى يرمز لها ب Spin (3) فهما بالضبط نفس الزمرة رغم اختلاف الرمز.
لهذا فاننا عندما نقوم بتبادل الكترونين فى الفضاء الاقليدى (نريد للاول أن يأخذ مكان الثانى و للثانى ان يأخذ مكان الاول) و لأن المبادلة permulation تعنى دوران ب 360 درجة فى فضاء ال SO(3) اى الفضاء الاقليدى الحقيقى فاننا نحصل على اشارة ناقص (كونهما الكترونين اى فرميونين بعزم-لف او سبين يساوى نصف).
هذه الاشارة ناقص هى نفسها اشارة الناقص التى تقابل الدوران المكافئ ب 180 درجة فى فضاء ال SU(2) الذى هو فضاء زمرة السبين spin(3) اى الفضاء التى تنتمى اليه دالة موجة الالكترون.
اذن كون SU(2) او spin(3) يغطى SO(3) مرتين فان 180 درجة فى الاولى تكفى لتنفيذ دوران كامل بزاوية 360 درجة (اى مبادلة) فى الفضاء الاقليدى.
هذا هو مبدأ الاستبعاد لباولى Pauli exclusion principle و هذا هو مبرهنة السبين-و-الاحصاء spin-statistics theorem لنظرية المجال الكمومى و هذا هو احصاء فيرمى-ديراك Fermi-Dirac statistics للميكانيك الاحصائى وهى من اعمق الخواص الفيزيائية التى تخص فيزياء الجسيمات المتطابقة identical particles التى هى جواهر فردة او اجزاء لا تتجزء بأتم معنى للكلمة.
هذه الاشياء كلها ترجع الى مبدأ اكثر اساسية منهم جميعا هو مبدأ التناظر.
أى كون زمرة السبين spin(3) او الزمرة الاحادية SU(2) تغطى الزمرة الدورانية للكرة SO(3) مرتين و ليس مرة واحدة.
هذه التغطية-المضاعفة للزمرة SO(3) من قبل الزمرة SU(2) تكتب رياضيا على الشكل فى المعادلة الرابعة حيث ان Z2 هى زمرة التبديلات permuation group بعنصرين 1 و -1.
رغم اختلاف ال SO(3) من جهة و ال SU(2) او spin(3) من جهة اخرى اختلافا طويولوجيا topologically عن بعضهما البعض فانهما متكافئان تماما من الناحية الموضعية locally و تEولدهما نفس الجبرية algebra و هى اشهر جبرية بين جميع جبريات ليه Lie algebras وهى الجبرية الاحادية الخاصة التى يرمز لها ب su(2) او الجبرية التعامدية الخاصة التى يرمز لها ب so(3) وهما متساويان تماما كما فى المعادلة الخامسة.
هاته الجبرية تولدها generated مؤثرات العزم الحركى angular momentum operators الشهيرة من الميكانيك الكمومى التى يرمز بها ب J1 و J2 و J3 وتحقق علاقات التبادل commutation relations فى المعادلة السادسة.
جبرية ليه su(2) هى الفضاء الشعاعى المماس tangent vector space للزمرة SU(2) او SO(3) عند مصفوفة الوحدة.
اذن اى عنصر U من الزمرة الاحادية الخاصة SU(2) فاننا نتحصل عليه باستخدام التطبيق الاسى exponential map اى نضرب كل عزم حركى Ji بزاوية الدوان θi الخاصة بالدوران الذى يولده ذلك العزم الحركى ثم نجمع ثم نضرب الجميع فى العدد التخيلى البحت ثم نأخذ التطبيق الاسى كما فى المعادلة السابعة.
ما يسمى التمثيلة الاساسيةfundamental representations و تسمى ايضا السبينور spinor نحصل عليها باخذ مؤثرات العزم الحركى Ji تساوى مصفوفات باولى Pauli matrices تقسيم 2 اذن باولى يجب ان يدخل فى كل موضوع.
اما العنصر R من الزمرة SO(3) المكافئى للعنصرين U و -U من الزمرة SU(2) (تذكروا التغطية-المضاعفة) فنحصل عليه من المعادلة الثامنة حيث σi ى مصفوفات باولى.
الكرة و زمرة الدورانات
الجزء الثانى
مبرهنة السبين-و-الاحصاء spin-statistics theorem تبدأ من الميكانيك الكمومى الذى ينص على ان:
اولا اذا أخذنا الكترون حول دائرة اى قمنا بدوران بزاوية 360 درجة فان دالة الموجة لا ترجع الى حالتها الابتدائية بل تكتسب اشارة ناقص. هذه الاشارة تسمى (طور السبين spin phase). وتفسير هذا الامر هو خواص الجسيمات تحت تأثير الدورانات و مفهوم السبين.
وثانيا اذا قمنا بتبادل الكترونين فان دالة الموجة الكلية تكتسب اشارة ناقص ايضا. هذه الاشارة تسمى (طور الاحصاء statistics phase). وتفسير هذا الامر هو المبدلات المتبادلة-عكسيا anti-commuting commutators التى تستخدم فى التكميم القانونى canonical quantization لمجال ديراك للالكترونات. وهذه الاشارة هى التى تؤدى الى مبدأ الاستبعاد لباولى و احصاء فرمى-ديراك.
مبرهنة السبين-و-الاحصاء تنص على ان اشارة الناقص الاولى هى نفسها اشارة الناقص ثانية اى انه لا يمكن من الناحية الطوبولوجية التفريق بين الدوران بزواية 360 درجة لجسيم واحد و التبادل بين جسيمين متطابقين identical particles من نفس النوع ولهذا يجب ان تكون دالة الموجة الخاصة بجسمين فرميونين متناظرة-عكسيا anti-symmetric.
هذه المبرهنة هى من أهم و أعقد و اقدس مبرهنات الميكانيك الكمومى و نظرية المجال الكمومى و البرهان يعتمد على التناظر (بالضبط التناظر الدورانى للكرة) و على الطوبولوجيا (طوبولوجيا زمرة الدوران).
فالتناظر يلعب دورا محوريا فى الميكانيك الكمومى كما فى الميكانيك الكلاسيكى لكن الميكانيك الكمومى يزيد على الميكانيك الكلاسيكى فى كونه يرى الطوبولوجيا. اذن الكمومى يرى التناظر و يرى الطوبولوجيا الموجودين فى الطبيعة.
هنا نقوم بحساب طور السبين انطلاقا من دراستنا للتمثيلات غير-القابلة للاختزال irreducible representations لزمرة الدورانات SO(3) او SU(2) ونرى كيف ان كل شيء يعتمد على كون SU(2) وهى زمرة السبين هى الغطاء-المضاعف double-cover للزمرة SO(3) وهى الزمرة الدورانية.
حساب التمثيلات غير-القابلة للاختزال يعتمد على لازمة شهيرة اخرى من الميكانيك الكمومى وهى لازمة شور Schur's lemma التى تنص ان تمثيلة معينة للزمرة هى تمثيلة غير-قابلة للاختزال اذا و فقط اذا كانت العناصر الوحيدة -ونسميها مؤثرات كازيمير Casimir's operators- التى تتبادل مع عناصر الزمرة هى عناصر متناسبة مع مصفوفة الوحدة).
ملحوظة 1: هذه امور اساسية للفيزيائى النظرى بل هى امور اساسية للفيزيائى و بخاصة زمرة الدورانات و مؤثرات العزم الحركى و من يجد نفسه قد درس الميكانيك الكمومى و لا يعرف هذه الامور فلا يلمن الا نفسه او استاذه او نفسه لانه لا يمكن ابدا القيام بالميكانيك الكمومى بأى شكل جدى دون المرور على هذه الاشياء. اذن اذا وجدتم الامر صعبا اكثر من اللزوم فاستدركوا الامر لان الامر ليس صعبا ابدا بل هو من السهل-الممتنع للميكانيك الكمومى.
ملحوظة 2: احد الاهداف من وراء هذه السلسة هى تبيان ان الميكانيك الكمومى ليس فلسفة فقط حتى لا يغتر البعض و يعتقد ان الميكانيك الكلام هو ذكاء كلامى و فلسفى فقط وينسون انه ادق نظرية تجريبيا و رياضيا وضعها الانسان.
ملحوظة 3: سألنى احدهم على اليوتوب هل يمكن ان تدرسنا فيزياء صلبة ثم سألنى هل تستطيع ان تدرسنا فيزياء صلبة. وحتى اتفادى انهيار السؤال اكثر من هذا اقول انه يمكننى ان ادرس الفيزياء الصلبة على اعلى مستوى ممكن بل يمكننى ان ادرس اى فيزياء اخرى و كثير من الرياضيات و الفلسفة. السؤال فقط هو الاهتمام فاننى لا اقدم هنا على الفايسبوك و على اليوتوب الا ما يهمنى و اهتم به شخصيا لاسباب مختلفة و لا يعنينى ما يريد او يهتم به اى شخص آخر.
الجزء الثالث
الكثير ممن يتابع هذه الصفحة يريد ان يدرس التناظر symmetry و الكثير منهم يريد ان يدرس نظرية الزمر group theory و نظرية التمثيلات representation theory و كثير منهم يعرف ان الثانية (نظرية الزمر) هى خادمة للاولى (التناظر).
وهذا الوعى بهذه الاهمية بين الاساتذة و الطلبة المتابعين هو من النتائج الايجابية الملموسة لهذه الصفحة فى دعوة الناس الى الفيزياء الاساسية الصحيحة و الصحية و الالتزام فى الدراسة بالموضوعية و المنهجية الصارمة و الابتعداد عن احلام اليقظة و الاوهام و الخزعبلات العلمية و الخرافات التعليمية.
اقول انه قديما عندما كنا نبدأ بدراسة او بتدريس نظرية الزمر نبدأ بالزمرة SU(2).
و اليوم مازلنا نقوم بنفس الشيء فانه عندما نبدأ بدراسة نظرية الزمر فاننا نبدأ بالزمرة SU(2) فليس هناك مهرب لاسباب ثمانية.
اولا الزمرة SU(2) هى ابسط زمرة غير-أبيلية non-abelian على الاطلاق (على الاقل بين زمر ليه Lie groups وهى الاكثر اهمية للفيزياء). و كل زمر ليه Lie groups الاخرى ستتم دراستها على نفس المنوال.
ثانيا الزمرة SU(2) هى اول زمرة تناظر لنظريات يانغ-ميلز Yang-Mills theories التى اهم نموذج للتناظرات المعيارية gauge symmetries. فقد كانت SU(2) هى اول زمرة معيارية غير-ابيلية اكتشفها يانغ Yang و ميلز Mills فى اوائل الخمسينات.
وقد بلغ يانغ اليوم 99 سنة من العمر وهو مازال يطالب بجائزة نوبل ثانية من اجل هذا الاكتشاف وهو يستأهله فعلا فالامر ليس هينا ابدا. فنظريات يانغ-ميلز تدخل فى صلب الثنائية الثقالية-المعيارية التى اهم اكتشافات نظريات الاوتار الممتازة.
و قد حصل يانغ على نوبل فى اواخر الخمسينات من اجل اكتشاف ما يسمى غصب violation تناظرات ال CP كشفا نظريا و تجريبيا (فهو مشارك فى الاتجاهين) وهذا نادر جدا جدا.
وهذا الغصب لهذا التناظر كان يرفضه الفيزيائى الساحر باولى رفضا قاطعا و لما تأكد الامر تجريبيا و نظريا قال باولى (السؤال يبقى لماذا ارتأت الطبيعة ان تغصب هذا التناظر). و الغصب فيزيائيا يعنى الكسر الشديد و ليس الصغير للتناظرات المتقطعة discrete symmetries الثلاثة C و T و CP.
اذن يانغ اخذ نوبل على غصب ال CP و يريد نوبل اخرى على نظريات يانغ-ميلز المعيارية.
ثالثا الزمرة SU(2) هى احدى الزمر المعيارية gauge goups الثلاثة التى تظهر فى النموذج القياسى standard model للجسيمات الاولية. وهى الزمرة الوحيدة من بينهم التى تخضع للانكسار التلقائى للتناظر spontaneous symmetry breaking بسب ارتباطها بالقوة النووية الضعيفة التى تصف الظواهر الاشعاعية لبيطا beta radioactivity.
رابعا الزمرة SU(2) هى زمرة السبين (عزم-اللف) و هى بالتالى الغطاء-المضاعف double-cover للزمرة الدورانية SO(3) فى ثلاثة ابعاد. اما فى اربعة ابعاد فان جبرية زمرة لورنتز Lorentz group لتناظرات فضاء-زمن مينكوفسكى Minkowski spacetime تساوى جمع مباشر direct sum لنسختين من جبرية su(2).
خامسا الزمرة SU(2) هى زمرة تناظر الايزوسبين isospin symmetry -وهى زمرة تناظر تقريبية ليست مضبوطة لكنها تسمح لنا بالنظر الى البروتون و النوترون او الكوارك u و الكوارك d على انهما جسيم واحد بالنسبة للقوة النووية القوية اللونية strong nuclear color force-.
سادسا الزمرة SU(2) هى زمرة التناظر الاساسية للثقالة الكمومية الحلقية loop quantum gravity و قد قدمتها الصائفة الماضية.
سابعا الزمرة SU(2) هى الزمرة الاساسية للكرة غير-التبديلية التى تعرف ايضا باسم الكرة الغائمة fuzzy sphere التى اهم فضاء غير-تبديلى non-commutative space فى الهندسة غير-التبديلية non-commutative geometry التى هى مقاربة اخرى للثقالة الكمومية تمتزج فيها نظرية الاوتار الممتازة مع برنامج كون Connes للهندسة التفاضلية.
سابعا التمديد المركب للزمرة SU(2) الحقيقية المتضامة real compact هى الزمرة SL(2,R) المركبة غير-المتضامة complex non-compact التى هى زمرة التناظر الاساسية لنظرية الاوتار الممتازة. هذه الزمرة ترتبط بالزمرة الدورانية SO(2,1) لشبه-الكرة pseudo-sphere التى هى الدوران الاقليدى Euclidean rotation لفضاء دى-سيتر-العكسى anti-de Sitter space فى بعدين AdS2.
فى هذا الفيديو اعدت محاضرة الامس بخط اكبر و شرح اوفى اقدم فيه الزمرة SU(2) و تمثيلاتها.
من اراد ان يفهم فليتابع. يصعب جدا فهم هذه الامور من المراجع مباشرة للمبتدئ.
الاكشن او الفعل
الموجود الكلاسيكى لا يريد ان يخرج الا الى الوجود الحقيقى وهذا من ضيق افقه -وهذا هو حال الوعى الانسانى - لكن الموجود الكمومى يريد بالاضافة الى الخروج الى الوجود الحقيقى ان يتعدد فى الوجود الكمونى -وهذا هو حال الوعى الطبيعى و وعى الانسان الممتاز-.
سؤال مهم جدا على اليوتوب كنت انتظر ان يسأله احد على الفايسبوك 5 سنوات و لم يطرحه احد فاعتقدت ان الامر بديهى لغير المختص مثلما هو بديهى للمختص المحنك فى الرياضيات و الفيزياء.
السؤال ماهو (الأكشن) او (الفعل) من الناحية الفيزيائية?
هذا سؤال مهم جدا و صعب جدا و جوابه متعدد الاوجه.
ولو كنتم لاحظتم -والطالب الذى لم يلاحظ هذا فعليه ان يقبل ان هذا ليس مجاله- اننا دائما نبدأ من (الأكشن) او (الفعل) فى (نظرية المجال الكمومى) و فى (نظرية الاوتار الممتازة). مثلا انظروا الفيديوهات الاخيرة فى المادتين فستدركون محورية هذا المفهوم فى تحقيق بداية سليمة و مؤسسة للموضوع قيد الاهتمام.
اضع الجواب فى اربعة نقاط.
اولا الاكشن او الفعل action هو دالية و ليس دالة وهى تساوى التكامل فى الزمن على اللاغرانجية. و الدالية functional هى دالة فى دالة اى ان المتغير هو دالة. فى هذه الحالة الفعل هو دالة فى الطريق اى المسار فى فضاء التمثيل الذى هو فى حد ذاته دالة فى الزمن اذن الفعل هو دالية و ليس دالة. بعبارة اخرى الفعل او الاكشن هو دالة فى عدد لانهائى من المتغيرات.
فضاء التمثيل configuration space قد يكون هو الفضاء الفيزيائى و فى هذه الحالة فان الطريق path هو فعلا مسار. لكن فى اغلب الاحيان فان فضاء التمثيل هو التعميم للفضاء الفيزيائى وفى هذه الحالة فان الطريق هو التعميم للمسار.
ثانيا الاكشن مرتبط عضويا باللاغرانجية التى هى الاخرى ليس لها معنى فيزيائى واضح.
اللاغرانجية Lagrangian كما تعلمون هى الدالة الاساسية على فضاء التمثيل (الذى هو فضاء الحالات الفيزيائية) مثلما ان الهاميلتونية Hamiltonian هى الدالة الاساسية على فضاء الطور phase space (وهو تعبير آخر عن فضاء الحالات الفيزيائية).
نظرية النسبية تنسجم أكثر مع فضاء التمثيل و الميكانيك الكمومى ينسجم اكثر مع فضاء الطور لكنهما (فضاء التمثيل و فضاء الطور) متكافئان تماما فيزيائيا اما النسبية و الميكانيك الكمومى فهما غير منسجمان حتى (لكن قد يكونان متكافئان فى الاخير. تذكروا حدسية ال ER=EPR لمالداسينا Maldacena و ساسكيند Susskind التى تعتمد على نظرية الاوتار الممتازة).
اللاغرانجية هى الفرق بين الطاقة الحركية و الطاقة الكامنة اما الهاميلتونية فهى فى اغلب الجمل الفيزيائية (لكن ليس دائما) تساوى الطاقة الكلية اى تساوى الطاقة الحركية زائد الطاقة الكامنة وهما مرتبطان معا (اى اللاغرانجية و الهاميلتونية) عبر تحويل لوجوندر Legendre transform الذى يتم فيه تحويل السرعة الى زخم.
ثالثا المعنى الفيزيائى الاقرب الى الحدس و البديهة وهو الذى ركز عليه فايمان Feynman فى محاضراته و هو فيزيائى-و-بيداغوجى محنك هو ان الفعل هو الدالة التى تأخذ أصغر قيمة لها عندما نأخذ الطريق يساوى الطريق الكلاسيكى الحقيقى للحركة. و الكلاسيكية و الحقيقية كلمتان مترادفان فى هذا المضمار.
هذه الفكرة تسمى مبدأ الفعل الاصغرى لهاميلتون Hamilton's principle of least action و قد كان فايمان متحمسا جدا له فى كتاباته الشعبية -قبل عهود الفايسبوك و اليوتوب- بشكل زائد عن الحد لكن من يفهم جيدا يعرف ان حماس الرجل كان فى محله.
ومبدأ الفعل الاصغرى هو تعميم للمبدأ البصرى فى ان الضوء بين نقطتين يسلك اقصر طريق رابط بينهما وهو الطريق المستقيم. بنفس الطريقة فان الجملة الفيزيائية مهما كانت تريد ان تسلك الطريق الاقصر بين حالتين فيزيائيتين و الاقصر هنا يعنى الطريق الذى فعله اى قيمة الاكش فيه اقل شيء ممكن.
رابعا من الناحية الفيزيائية فان ادق مفهوم للاكشن هو أنه دالة هاميلتون الرئيسية Hamilton's principle function التى تحل معادلة هامليتون-جاكوبى Hamilton-Jacobi equation. معادلة هاميلتون-جاكوبى فى الميكانيك الكلاسيكى هى التى ستتحول الى معادلة شرودينغر بعد التكميم quantization.
اذن الأكشن او الفعل هو الدالة المولدة generating function للتحويل القانونى canonical transformation الذى يأخذ جميع الزخوم المرفقة conjugate momenta و يساويها بقيمها المحفوظة conserved values.
خامسا فى الميكانيك الكمومى مفهوم الاكشن او الفعل هو مفهوم بسيط جدا فالفعل هناك هو طور phase دالة الموجة wave function.
اذن سعة احتمال probability amplitude اى حادث فيزيائى يساوى دالة الموجة المرفقة بالطريق فى فضاء التمثيل الذى يقابل ذلك الحادث الفيزيائى.
من جهة فان سعة الاحتمال هى بالضبط دالة الموجة.
ومن الجهة الاخرى فان الطريق المقابل للحادث قيد الدراسة تقابله قيمة معينة للاكشن او الفعل و بأخذ الدالة الاسية للعدد التخيلى المحض i مضروب فى هذا الفعل او الاكشن نحصل على دالة الموجة.
اذن الفعل هو طور دالة الموجة. وهذا اقوى مفهوم فيزيائى للاكشن و من المفارقة ان هذا المفهوم لا يتضح الا بعد الذهاب الى الميكانيك الكمومى.
اذن مبدأ الفعل الاصغرى الذى ينص على ان الجملة تريد ان تسلك الطريق الذى قيمة الاكشن او الفعل فيه اصغرية يعنى ان دالة الموجة تريد ان تكون اعظمية اى اقرب الى الواحد.
و منه فان كون الفعل يريد ان يكون من الناحية الكلاسكية (التى هى الحالة التقريبية) اصغريا يعنى ان دالة الموجة (التى هى الحقيقة) تريد ان تكون اعظمية و منه فان سعة الاحتمال (الذى يعبر عن الوجود الكمونى) يريد ان يكون اعظميا.
الجملة الفيزيائية من الناحية الكلاسكية تريد ان تخرج الى الوجود (الفعل يريد ان يكون اصغرى) لكن دالة الموجة لانها كمومية فانها تعرف بالاضافة الى الطريق الكلاسيكى عدد لانهائى آخر من الطرق الممكنة التى تريد ان تجربها جميعها.
الموجود الكلاسيكى لا يريد ان يخرج الا الى الوجود الحقيقى وهذا من ضيق افقه -وهذا هو حال الوعى الانسانى - لكن الموجود الكمومى يريد بالاضافة الى الخروج الى الوجود الحقيقى ان يتعدد فى الوجود الكمونى -وهذا هو حال الوعى الطبيعى و وعى الانسان الممتاز-.
Comments
Post a Comment